لهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن سب شريفا من أهل البيت، فقال:" لعنه الله، ولعن من شرفه"،أجاب رحمه الله:" وليس هذا الكلام بمجرده من باب السب الذي يقتل صاحبه، بل يستفسر عن قوله: من شرفه، فإن ثبت بتفسيره أو بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قتله، وإن لم يثبت ذلك ... لم يكن ذلك موجبا للقتل باتفاق العلماء"(١) .
وقد تبين من هذا النقل عن شيخ الإسلام رحمه الله، أن من المرجحات التي تعين المراد من العمل المحتمل - إلى جانب تبين القصد - النظر في القرائن الحالية أو اللفظية. فإن دلت القرائن مثلا على أن مرتكب الفعل مغموص عليه في النفاق، أو متهم بالابتداع والإلحاد، أو مشار إليه بالزندقة، كان هذا مرجحا قويا لكونه أراد بفعله الكفر، وبالمقابل من كان من أهل الصلاح والتقوى، وكان مشهورا عنه مجالسة الأخيار، والمحافظة على الشرائع، وتعظيم الرب والدين، ترجح عدم إرادته الكفر بفعله المحتمل.
وهذا باب طويل الذيل، عظيم النفع، مَن ضبط فروعه وتطبيقاته لم يخش على نفسه من الخطل والزلل. والله الموفق.
???
قلت في النظم:
ورغم ما قلت من التحذير
لاينبغي الوقوف في التكفير
إذا بدا الكفر جليا وظهر
من لم يكفر كافرا فقد كفر
الشرح:
(ورغم ما) أي الذي (قلت) آنفا (من التحذير) الشديد من التسرع في تكفير المعين، قبل التأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، فإنه (لا ينبغي) أي لايجوز (الوقوف في التكفير) في حالة ما (إذا بدا الكفر جليا وظهر) معطوف على 'بدا'، وتعليل ذلك أنه (من لم يكفر كافرا فقد كفر) وهي إحدى قواعد التكفير المشهورة التي لا ينبغي استخدامها على إطلاقها، بل مع اعتبار مجموعة من القيود والتخصيصات.
وقبل ذكر هذه القيود، أشير أولا إلى أن هذه القاعدة قد وردت كثيرا في كلام أهل العلم، واستعملوها في ظروف مختلفة، بل نقلوا الإجماع على صحتها.