وبالجملة، فإن المُتتبِّعَ للآثار عن السلف رضوان الله عليهم، يجزِم بأن هذه العقيدة كانتْ مستقرةً عندهم، لا يدور حولها خلاف. فمن أراد السلامة في دينه ودنياه، فلينهَجْ سبيلَهم، ولينسُجْ على مِنْوالهم، وأما من تَنكَّبَ عن طريقهم، وربأَ بفهمه عن فهومهم فلا يلومَنَّ إلا نفسه والله تعالى أعلم.
الفصل الثاني: أوجه الزيادة والنقصان.
قلت في النظم:
تفاضل الإيمان ذو أسباب
قد ظهرت لدى أولي الألباب
من بينها تفاضل التصديق
وذاك ظاهر لدى التحقيق
ومنه ما يكون بالأعمال
بين مقصر وذي كمال
الشرح:
(تفاضل الإيمان) زيادة ونقصا (ذو أسباب) كثيرةٍ سيأتي ذكرُ بعضِها (قد ظهرت لدى أولي الألباب) من أهل العلم، (مِن بينِها) أي مِن بينِ أوجُه تفاضلِ الإيمان (تفاضل التصديق) أي حصول الزيادة والنقص في نفس قول القلب، وهذا أمر ممكن وحاصل خلافا لمن أنكره، لذلك قلت:(وذلك) التفاضل (ظاهر) لكثرة أدلته العقلية والنقلية (لدى التحقيق) في هذه المسألة بعيدا عن التعصب والجُمود. (ومنه) أي: أن من التفاضل (ما يكون بـ) سببِ (الأعمال) الظاهرة، ما (بين مُقَصِّرٍ) في الإتيان بهذه الأعمال، فإيمانه ناقص تبعا لتقصيره، وبين آخرَ (ذي كمال) في التزامِه العملي بالشريعة، أي في إتيانه بالطاعات واجتنابه للمعاصي، فإيمانه زائد تبعا لأعماله الصالحة.
واعلم بأن هذه الوجه الثاني، هو أشهر أوجه زيادة الإيمان ونقصانه، حتى إن بعض أهل العلم قد يقتصر عليه فلا يُعَرِّج على غيره. كما أن الوجه الأول فيه من الخفاء ما جعل العلماء يختلفون حوله فينكره بعضهم. ولأجل هذا ذكرت هذين الوجهين في النظم ولم أذكر غيرهما، مع أن أوجه زيادة الإيمان ونقصانه أكثر من ذلك، فقد حصرها شيخ الإسلام ابن تيمية في تسعة أوجه (١) :
الوجه الأول:
(١) - انظر مجموع الفتاوى: ٧/٢٣٢-٢٣٧ و ٧/٥٦٢-٥٧٤ وكتاب ''زيادة الإيمان ونقصانه: ١٣٦ وما بعدها.