للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإجمال والتفصيل فيما أُمر به عبادُ الله المؤمنون، فإنه وإن وجب على جميع الخلق الإيمان بالله ورسوله، فإنه لا يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله، كما أن مَن عرف القرآن والسنن ومعانيَها، لزمه من الإيمان المفَصل بذلك ما لا يلزم غيره، ولو آمن رجل بالله وبالرسول ظاهرا وباطنا، ثم مات قبل أن يعرف شرائع الدين، مات مؤمنا بما وجب عليه من الإيمان وليس ما وجب عليه ولا ما وقع منه مثل إيمان من عرف الشرائع بتفاصيلها فآمن بها وعمل بها، بل إيمان هذا الأخير أكمل وجوبا ووقوعا.

الوجه الثاني:

الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم، رغم تساويهم فيما وجب عليهم من الإيمان. فها هنا مراتب ثلاث، كلٌّ منها أكملُ من التي بعدها:

مَن طلب علم ما وجب عليه فتعلمه وعمل به.

من عرف ما يجب عليه والتزمه وأقر به لكنه لم يعمل به وهو مع ذلك خائف من عقوبة ربه، معترفٌ بذنبه.

من لم يطلب معرفة ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عمل بذلك ولا هو خائف أن يعاقب بل هو في غفلة مع إقراره بالنبوة باطنا وظاهرا.

فهذه مراتب ثلاثة اشترك أصحابها في الوجوب، وتفاوتوا في الوقوع.

الوجه الثالث:

أن العلم والتصديق نفسه يكون بعضه أقوى من بعض، وأثبتُ وأبعدُ من الشك والريب، وهذا أمر يشهده كل أحد من نفسه، فيجد أن علمه بمعلومه يتفاضل حاله فيه، كما يقع التفاضلُ في أمور الحواس الظاهرة، فإن رؤية الناس للهلال مثلا، وإن اشتركوا فيها فبعضهم تكون رؤيته أتمَّ من بعض، ونفس الشيء في السماع والشم والذوق فكذلك علم القلب وتصديقه يتفاضل، بسبب التفاضل في المعاني التي يؤمن بها من معاني أسماء الرب وكلامه.

<<  <   >  >>