للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا التفاضل في التصديق هو الذي استقرَّ عليه قولُ عامة المحققين من أهل العلم. يقول الإمام النووي- كما نقله عنه الحافظ ابن حجر-:» والناس يتفاضلون في تصديق القلب على قدر علمهم ومعاينتهم، فمن زيادته بالعلم قوله تعالى {زَادَتْهُمْ إِيمَانًَاَ} ومن المعاينة قوله تعالى: {لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} . فجعل له مزية على علم اليقين «. ثم قال الحافظ:» ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل، حتى إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا وتوكلا منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها « (١) .

وقال ابن رجب الحنبلي:» وهذا مبنيٌّ على أن التصديق القائم بالقلوب متفاضل، وهذا هو الصحيح (..) فإن إيمان الصديقين الذي يتجلى الغيب لقلوبهم حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك والارتياب ليس كإيمان غيرهم ممن لا يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شُكِّكَ لدَخَلَه الشكُّ « (٢) .

وقال شيخ الإسلام:» إن التصديق نفسه يتفاضل كُنهه، فليس ما أثنى عليه البرهان بل تشهد له الأعيان، وأميط عنه كل أذى وحسبان، حتى بلغ درجات الإيقان، كتصديقٍ زعزعته الشبهات وصدفته الشهوات، ولعب به التقليد، ويضعف لشُبَهِ المعاند العنيد، وهذا أمر يجده من نفسه كل منصف رشيد « (٣) .

ويذكر الإمام الرازي أن زيادة التصديق تكون على وجوه ثلاثة (٤) :


(١) - فتح الباري: ١/٤٦.
(٢) - جامع العلوم والحكم: ١١٣-١١٤.
(٣) - مجموع الفتاوى: ٦/٤٨٠.
(٤) - مفاتيح الغيب: ١٥/٩٦.

<<  <   >  >>