الأول: بحسَبِ كثرة الدلائل وقوَّتها، لأن عند حصول كثرة الدلائل وقوتها يزول الشك ويقوى اليقين قال الرازي:» وهو الذي عليه عامَّة أهل العلم على ما حكاه الواحدي رحمه الله «. ثم أورد على هذا الوجه اعتراضا عقليا ورده، ولكنْ على عادته المعروفة من تفصيل الإيرادات والشبه، والتقصير في الجواب عنها. ولا يخفى على المتأمل في الإيراد العقلي الذي ذكره، ضعفُ تركيبه وهلهلة نسجه، ولكن ليس هذا محل بسط ذلك.
الثاني: بتوالي التكاليف، فكلما حدث تكليف جديد ازداد التصديق والإقرار، لأن من صدق إنسانا في شيئين كان تصديقه له أكثر من تصديق من صدقه في شيء واحد.
الثالث: بالاطلاع المتعاقب على آثار حكمة الله في مخلوقاته، وهذا بحرٌ لا ساحل له.
الوجه الرابع:
أن التصديق المستلزم لعمل القلب أكملُ من التصديق الذي لا يستلزم عمله، فالعلم الذي يعمل به صاحبه أكمل من العلم الذي لا يعمل به، فمَن آمن وصدق بأن الله حق ورسولَه حق، والجنة حق والنار حق، وأوجب له هذا التصديق محبة الله وخشيته كان إيمانه أكمل من الذي لم يوجب له إيمانه ذلك.
الوجه الخامس:
أن أعمال القلوب كالمحبة والخشية والخشوع والتوكل والخوف والرجاء كلها من الإيمان كما سبق بيانه، وهذه الأعمال يتفاضل فيها الناس تفاضلا عظيما كما هو ظاهر بدلالة الشرع والعقل.
ويكفي هنا ذكر التفاضل في المحبة الذي دل عليه قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ، لذلك قال شيخ الإسلام:» فإنه من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن، أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب، ونحو ذلك، والرحمة للخلق والنصح لهم (..) وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه، فإنه قد يكون الشيء الواحد يحبه تارة أكثر مما يحبه تارة، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة « (١) .