فإن أصدقَ الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
... فإن الناظرَ في حال أمتنا في هذه الأعصار، يتعجب من الفتن المتلاحقة التي عَمَّت البلاد والعباد، وغشِيت القلوب والأجسام، فتفتَّتت من حرِّها أكبادٌ ومهج، وتشتتت في دهاليزها أذهان وعقول، كان حَرِيًّا بها أن تكون شُموسا للمعارف يهتدي في ضوئها السالكون، وأقمارا للعلوم تشُق صفائحُ أنوارها حَنادسَ ظلام الجهل والضلال.
... فشريعة الحكيم الخبير محفوظة في أحشاء الدفاتر، وفوق خدود الطروس، لكن قوانين الغاب الجاهلية، وبُرايَة أذهان الكفرة هي المحَكَّمة في الأموال والفروج والنفوس.
... والمساجد وحلق العلم – إن وجدت – ومجالس الذكر- إن عقدت – تضِجُّ بالشكوى إلى بارئها مما يعاملها به المسلمون من الصد والهجران، بينما تعُج أماكن اللهو والخلاعة بالمرتادين، وتكتظ دور الفسق والفجور ومحادةِ الله ورسوله بالزائرين، حتى إنها لتشكو من الزحام وكثرة الوصال.
... والزوايا والتكايا والمواسمُ الشركية والأعياد الوثنية تُخرج كل يوم طوابيرَ متلاطمةً من الجهلة والمبتدعة وسَدَنة القبور وحُجَّاب الطواغيت الجاهلية.