للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا علم هذا، فالكفر على الحقيقة يكون- كما سبق بيانه- باعتقاد كفري أو بقول أو عمل مكفر، لكنه في الأحكام الدنيوية والقضائية لا يكون إلا بقول مكفر أو عمل مكفر. والمقصود بالأحكام الدنيوية ما يفرق به.- في الدنيا - بين المسلم والكافر كأحكام الموالاة والتناكح والتوارث والدفن والصلاة والسلام وغير ذلك. فمن كفر بقلبه-بشيء من البواعث التي سبق تفصيلها- ولم يظهره في قول أو عمل، فهو مسلم في أحكام الدنيا، ولكنه في الحقيقة عند الله كافر خارج من الملة، وهو المنافق نفاقا أكبر. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس» (١) ، وقال لأسامة عندما قتل من قال ''لا إله إلا الله'' في المعركة: «أفلا شققت عن قلبه « (٢) . لذلك جمع الطحاوي رحمه الله هذا المعنى في قوله: «ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى» . قال ابن أبي العز في شرحه: «لأنا قد أمرنا بالحكم بالظاهر، ونهينا عن الظن واتباع ما ليس لنا به علم» (٣) .

ومن أمثلة تفريق أهل السنة بين سبب الكفر الظاهر- وهو القول أو العمل- وبين نوع الكفر – وهو الباعث الباطن على الإتيان بسبب الكفر- إجماعهم على الحكم بكفر من سب الله أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم - بغض النظر عن كونه وقع منه هذا القول المكفر تكذيبا أو بغضا أو حسدا أو غير ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل» (٤) .


(١) -.أخرجه البخاري في المغازي برقم: ٤٣٥١ (ص٨٢٢) ومسلم في الزكاة، برقم: ١٠٦٤ (ص٤١٠) ..
(٢) - أخرجه مسلم في الإيمان برقم: ٩٦ (ص٦٥) .
(٣) - شرح الطحاوية: ٣٧٩.
(٤) - الصارم المسلول: ٥١٢.

<<  <   >  >>