للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لما ذكرت في البيت السابق أن الكفر ليس محصورا في الاعتقاد، بل قد يكون بقول أو عمل، بل لا يكون في أحكام الدنيا إلا كذلك، استطردت هنا بالكلام على الأعمال المكفرة، فقلت: (وما) موصول مبتدأ (يكفر) صاحبه أي يجعله كافرا ويخرجه من ملة الإسلام (من الأفعال) والأقوال، (لا يشرط) للتكفير به (النظر) ممن يريد إلحاق حكم التكفير (في استحلال) الفاعل لذلك الذنب المكفر، وفي هذا رد على المرجئة الذين يشترطون ذلك.

(أما الكبائر) التي هي دون الشرك، وذلك مثل الزنا وشرب الخمر (فليس يكفر فاعلها) خلافا للخوارج الذين يكفرون بمثل هذه الذنوب (بلا اعتقاد) كفري (يضمر) في القلب، والمقصود بهذا الاعتقاد، استحلال هذه الذنوب، بل لو استحلها لكفر بمجرد الاستحلال ولو لم يفعل شيئا منها، فليتنبه!

سبق أن بينت أن الكفر- عند أهل السنة والجماعة- كما يكون بالاعتقاد فإنه يكون بالعمل، كما سبق أن ذكرت أن ترك جنس العمل كفر، فلا أعيد هنا ما شرحته آنفا.

والذي أود تفصيله في هذا المبحث هو أن الأعمال المحرمة في الشرع على قسمين اثنين (١) :

القسم الأول: ذنوب مكفرة لذاتها، مخرجة لمرتكبها عن ملة الإسلام، بقطع النظر عما يقوم بقلبه، فهو بفعلها كافر ولو ادعى أنه لم يستحلها بقلبه.

قال ابن حزم في الفصل: " فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفرا مبطلا لإيمان صاحبه جملة، ومنها ما لا يكون كفرا، لكن على ما حكم الله تعالى به في كل ذلك ولا مزيد" (٢) .

وأدلة وجود هذا القسم من الذنوب، كثيرة جدا في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، فمنها:

١- قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} ، فحكم الله تعالى بكفرهم بمجرد القول الذي تلفظوا به.


(١) - كنت قد تكلمت في مبحث: ترك آحاد الأعمال وأفراده على شيء قريب مما سأذكره هنا، فليراجع.
(٢) - الفصل في الملل والأهواء والنحل:

<<  <   >  >>