للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذه الذنوب صاحبها فاسق (١) ، وهو إن مات بلا توبة كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ولكنه إن أضاف إلى هذه الذنوب الجحود أو الاستحلال كان بذلك كافرا كفرا أكبر مخرجا له من الملة. يقول حافظ حكمي رحمه الله:" (إلا مع استحلاله لما جنى) هذه هي المسألة الخامسة وهي أن عامل الكبيرة يكفر باستحلاله إياها، بل يكفر بمجرد اعتقاده بتحليل ما حرم الله ورسوله ولو لم يعمل به، لأنه حينئد يكون مكذبا بالكتاب ومكذبا بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك كفر بالكتاب والسنة والإجماع" (٢) .

وعلى مثل هذه الذنوب يتنزل إطلاق بعض أهل العلم عدم التكفير بالذنب، كما في قول الطحاوي رحمه الله: " ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" (٣) . قال شيخ الإسلام رحمه الله:" ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنى والشرب" (٤) .

وإذا كان المرجئة قد جانبوا الصواب في فهمهم للقسم الأول من الذنوب، فإن الخوارج قد أخطأوا في القسم الثاني، فكفروا بالكبائر ولو بغير استحلال، وقد نقل عنهم أهل المقالات في هذا الباب أقوالا في غاية الشناعة. قال الملطي:" والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم" (٥) . وينقل عن أبي بيهس الذي تنسب إليه طائفة البيهسية- فرقة من الخوارج-:"إن حكم الإمام بالكوفة حكما يستحق به الكفر، ففي تلك الساعة يكفر من كان في حكم ذلك الإمام بخراسان والأندلس" (٦) . ومن أقوال البيهسية أيضا:" لو أن رجلا قطر قطرة خمر في جب فلا يشرب من ذلك أحدا إلا كفر وإن لم يشعر لأن الله عز وجل يوفق المؤمنين" (٧) .


(١) - أي فسقا أصغر، وسيأتي بيانه فيما يلي.
(٢) - معارج القبول: ٣/١٠٤٠.
(٣) - شرح الطحاوية: ٣١٦.
(٤) - مجموع الفتاوى: ٧/٣٠٢.
(٥) - التنبيه والرد: ٤٧.
(٦) - التنبيه والرد: ١٨٠.
(٧) - نفسه: ١٨٠.

<<  <   >  >>