للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهنائي عن الحسن قال: أقبلت أنا ورجل من المسجد الجامع فدخلنا على أبي زيد الأنصاري وقد كانت رجله أصيبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضرت الصلاة فأذن قاعداً وأقام قاعداً، ثم قال لرجل: تقدم فصل بنا.

قال المصنف (١/٧٥) :

(قال ابن عباس: دلوكها إذا فاء الفيء) انتهى.

أخرجه مالك في "الموطأ": (١/١١-ط. عبد الباقي) ومن طريقه ابن أبي شيبة في "المصنف": (٢/٢٣٥) والبيهقي في "الكبرى": (١/٣٥٨) من طريق داود بن الحصين قال: أخبرني مُخْبر أن ابن عباس كان يقول: دُلُوك الشمس، إذا فَاء الفَيء، وغسق الليل، اجتماع الليل وظلمته. وفي إسناده جهالة.

وقيل أن المُخْبر هو عكرمة مولى ابن عباس ومالك يكتم اسمه لكلام ابن المسيب فيه قاله ابن عبد البر في "الاستذكار": (١/٢٧١) وغيره، وقد صرح برواية عكرمة في كتاب الحج من "موطئه".

ومالك بن أنس من عادته إرسال الأحاديث وإسقاط رجل، وقد يكون أسقط عكرمة هنا فإنه لا يرتضيه.

قال الشافعي في "الأم": (٧/٢٤٤) :

(وهو - يعني مالك - سيئ القول في عكرة لا يرى لأحد أن يقبل حديثه وهو يروي عن سفيان عن عطاء عن ابن عباس خلافه، وعطاء ثقة عنده وعند الناس، والعجب له أن يقول في عكرة ما يقول ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله، ويسميه مرة ويروي عنه ظناً، ويسكت عنه مرة، فيروي عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع، وذبائح نصارى العرب وغيره وسكت عن عكرمة، وإنما حدث به ثور عن عكرمة) انتهى.

قال الدارقطني في "علله": (٠٢/٥٦) عند ذكره لحديث آخر:

(ووهم مالك في قوله عن يحيى عن يحيى عن عبد الرحمن بن أبان أو تعمد إسقاط عاصم بن عبيد الله، فإن له عادة بهذا، أن يسقط اسم الضعيف عنده في الإسناد مثل عكرمة ونحوه) انتهى.

وقال في موضع آخر من "علله": (٦/٦٣) :

(ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل) انتهى.

وذكر علي بن المديني في "علله" حديثاً عن عاصم بن عبد العزيز الأشجعي عن الحارث عن سليمان بن يسار وغيره، قال عاصم: حدثنيه مالك، قال: أخبرت عن سليمان بن يسار فذكره.

قال ابن المديني:

(أرى مالكاً سمعه من الحارث ولم يسمه وما رأيت في كتب مالك عنه شيئاً) انتهى.

قال ابن حجر في "التهذيب" بعد ذكر كلام ابن المديني.

(وهذه عادة مالك فيمن لا يعتمد عليه لا يسميه) انتهى.

ويظهر - والله أعلم - أن المُخبر في هذا الخبر عكرمة مولى ابن عباس، فإن مالكاً لا يسميه، وداود بن الحصين مشهور الرواية عنه، فإن كان كذلك فالخبر صحيح.

ويغلب على رواية داود بن الحصين عن عكرمة النكارة لغلبة رواية الضعفاء عنه، ولذا أطلق ابن المديني وأبو داود النكارة على هذا الطريق، لا لحال داود وعكرمة، وإنما لحال الرواة الذين رووا عن داود.

وقد نظرت في مرويات داود بن الحصين عن عكرمة فرأيت جل من روى عنه هم من جملة المتروكين والضعفاء والمجاهيل وخفيفي الضبط كإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وعبد العزيز بن أبي ثابت وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع وحجاج بن أرطاة ومسلم بن خلد الزنجي ومحمد بن خالد ومحمد بن علي بن يزيد بن ركانة ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي من غير إثبات السماع وخارجه بن عبد الله وغيرهم.

وروى عنه من الثقات سعيد بن أبي أيوب لكن الطريق لا يصح إليه، فالراوي عنه روح بن صلاح لا يحتج بمثله، والراوي عنه أشد ضعفاً منه.

وروى عن داود بن الحصين أسامة بن زيد الليثي وفيه ضعف، رواه عن أسامة الواقدي وهو معروف الحال.

وهذا هو حال جل من روى عن داود عن عكرمة، ولذا أطلق ابن المديني وأبو داود النكارة على رواية داود بن الحصين عن عكرمة، مع ورود أحاديث قليلة من هذا الطريق بوجه صحيح صححها الحفاظ مفردة.

وهذا منهج دقيق يسلكه الحفاظ بإطلاق النكارة والضعف على طريق من الطرق الصحيحة لغلبة ضعف ونكارة الطرق إليها، مع صحة بعض الروايات القليلة عن هذا الطريق.

والحفاظ في الغالب يطلقون النكارة والضعف على مثل هذه الطرق، والصحيح منها يعرف بالسبر والنظر في القرائن.

فلا يلزم من تضعيف الطريق أو الراوي ضعف كل حديثه، كما أنه لا يلزم من توثيق الراوي صحة كل حديثه.

وقد يُضعِّف من لا معرفة له الصحيحَ منها، بحجة إطلاق الحفاظ للنكارة أو الضعف أو الوهم عليها.

وقد صحت بعض الأحاديث من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس، صححا الحفاظ كحديث محمد بن إسحاق حدثني داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: رد رسول الله (ص) ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئاً.

أخرجه أحمد في "مسنده": (١/٢١٧) وأبو داود: (٢٢٤٠) والترمذي في "السنن": (١١٤٣) والدارقطني: (٣/٣٥٤) وغيرهم.

وقد صرح فيه ابن إسحاق بسماعه فصح، ورجحه على حديث الحجاج عن عمرو بن شعيب جماعة من الحفاظ قال الحافظ ابن القيم في "تهذيب السنن": (٦/٢٣٣) :

(وأما تضعيف حديث داود بن الحصين عن عكرمة فمما لا يلتفت إليه، فإن هذه الترجمة صحيحة عند أئمة الحديث لا مطعن فيها، وقد صحح الإمام أحمد والبخاري والناس حديث ابن عباس وحكموا له على حديث عمرو بن شعيب) انتهى.

ومثله ما أخرجه أحمد في "مسنده": (١/٢٦٥) وأبو يعلى في "مسنده": (٤/٣٧٩) من حديث محمد بن إسحاق حدثني داود بهذا الإسناد في قصة طلاق ركانة لزجته ثلاثاً ...

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": (٣٣/٨٥) :

(إذا قال ابن إسحاق: حدثني فهو ثقة عند أهل الحديث، وهذا إسناد جيد) انتهى.

وصححه ابن القيم كما في "زاد المعاد": (٤/١١٦) .

وقد حقق ذلك الحافظ ابن عدي في "كاملة": (١/٢٣٤) فقال في داود بن الحصين:

(داود له حديث صالح، وإذا روى عنه ثقة فهو صحيح الرواية، إلا أن يروي عنه ضعيف فيكون البلاء منهم لا منه) انتهى.

وبه يعلم أن إطلاق الحفاظ على بعض الطرق الصحيحة النكارة أو الضعف هي من هذا النوع، وقد يصح منها ما لا يدركه المتمرس بمناهجهم، فيضعفها بل ربما وَهَّم بعض الحفاظ في تصحيحها.

وأخرج ابن جرير الطبري في "التفسير": (١٥/١٣٥-ط الحلبي الثانية) وابن المنذر في "الأوسط": (٢/٣٢٢، ٣٢٣) معناه من طريق المغيرة عن عامر الشعبي عن ابن عباس قال: دلوكها زوالها.

وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>