وأنه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء غيرُه معه، ثم خلق الأشياء كلَّها كما شاء، وأن النفس مخلوقة، والعرش مخلوق، والعالم كله مخلوق. (١)
قلت:
أما اتفاق السلف وأهل السنة والجماعة على أن الله وحده خالق كل شيءٍ فهذا حق، ولكنهم لم يتفقوا على كفر من خالف ذلك:
فإن القدرية الذين يقولون: إن أفعال الحيوان لم يخلقها الله أكثر من أن يمكنَ ذكرهم، من حين ظهرت القدرية في أواخر عصر الصحابة إلى هذا التاريخ، والمعتزلة كلهم قدرية، وكثير من الشيعة، بل عامة الشيعة المتأخرين، وكثير من المرجئة والخوارج، وطوائف من أهل الحديث والفقه، نُسبوا إلى ذلك، منهم طائفة من رجال الصحيحين، ولم يجمعوا على تكفير هؤلاء، بل هو نفسه قد ذكر في أول كتابه: أنه لا يكفر هؤلاء.
والمنصوص عن مالك والشافعي وأحمد في القدرية أنهم إن جحدوا العلم كفروا، وإذا لم يجحدوه لم يكفروا.
وأيضا: فقد ذكر في كتابه " الملل والنحل " أن الصحابة وأئمة الفتيا لا يكفرون من أخطأ في مسألةٍ في الاعتقاد ولا فتيا، وإن كان أراد بقوله:" أتى المسلمون على هذا " فهذا أبلغ.
ومعلوم أن مثل هذا النقل للإجماع لم ينقله عن معرفته بأقوال الأئمة، لكن لما علم أن القرآن أخبر بأن الله خالق كل شيء، وأن هذا من أظهر الأمور عند الأمة، حكى الإجماع على هذا، ثم اعتقد أن مَن خالف الإجماع كفر بإجماع، فصارت حكايته لهذا الإجماع مبنيةً على هاتين المقدمتين اللتين ثبت النزاع في كل منهما.
وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه " لم يزل وحده، ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء كما شاء ".
ومعلوم أن هذه العبارة ليست في كتاب الله، ولا تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذي في " الصحيح " عنه حديثُ عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: