للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهل يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية؟ فالذي نصر عليه العلماء أنه لا يمتنع، وقالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. معناه أنه كانت عاقبته لله. وينبغي له القيام في مجلسه لمن يستحق الإكرام من طلبته، وغيرهم استمالة لقلوبهم على حسب ما يراه فقد كان نافع يقوم لابن جماز إذا رآه ويرفع قدره ويجل منزلته؛ لأنه كان رفيقه في القراءة على أبي جعفر ثم قرأ عليه. ويستحب أن يسوي بين الطلبة بحبسهم إلا أن يكون أحدهم مسافرا أو يتفرس فيه النجابة أو غير ذلك، وله أن يقرئهم ما شاء كثرة وقلة، وأما ما ورد عن السلف من أنهم كانوا يقرئون ثلاثا ثلاثا، وخمسا خمسا وعشرا عشرا لا يزيدون على ذلك فهذه حالة التلقين. وأما من يريد تصحيح قراءة أو نقل رواية أو نحو ذلك فلا حرج على المقرئ أن يقرئ ما شاء، وقد قرأ ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم من أول سورة النساء إلى قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [الآية: ٤١] وقال نافع لورش: لما قدم عليه وسأله أن يقرأ عليه: بت في المسجد فلما اجتمع عليه أصحابه قال لورش: أبت في المسجد؟ قال: نهم. قال: أنت أولى بالقراءة فقرأ عليه القرآن كله في خمسين يوما. وعلى هذا مضت سنة المقرئين، وقد قرأ الشيخ نجم الدين عبد الله بن عبد المؤمن مؤلف الكنز القرآن كله جمعا بالعشر على شيخ شيوخنا الإمام تقي الدين بن أحمد الصائغ لما رحل إليه إلى مصر في كدة سبعة عشرة يوما، وقرأت أنا على شيخنا العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ لما رحلت إليه الرحلة الأولى إلى مصر وأدركني السفر، وكنت قد وصلت عليه إلى آخر "الحجر" جمعا للقراءات السبع ضمن "الشاطبية" و"العنوان" و"التيسير" فابتدأت عليه "النحل" ليلة الجمعة، وختمت عليه ليلة الخميس في ذلك الأسبوع، وآخر مجلس قرأته أني ابتدأت من أول "الواقعة" ولم أزل حتى ختمت في مجلس واحد ليلا. وقدم على دمشق شخص من حلب، فقرأ علي القرآن أجمع بقراءة ابن كثير في خمسة أيام متتابعات، ثم قراءة الكسائي في سبعة أيام كذلك.

ويجوز له الإقراء في الطريق لا نعرف أحدا أنكر هذا إلا ما روي عن الإمام مالك -رضي الله عنه- أنه قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق. وكان الشيخ علم الدين السخاوي -رحمه الله- وغيره يقرؤن في الطريق، وروى ابن أبي داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه كان يقرئ في الطريق. وعن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها. قال الشيخ محي الدين النووي -رحمه الله: وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلْتَهِ صاحبها، فإن التهى عنها كرهت كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من

<<  <   >  >>