الغلط. قلت: وقد قرأت على الإمام شمس الدين بن الصائغ في الطريق غير مرة، تارة أكون أنا وهو ماشيين وتارة يكون راكبا على البغلة وأنا ماش. وأخبرني غير واحدة من شيوخنا منهم الإمام العلامة القاضي محب الدين بن يوسف الحلبي ناظر الجيوش الشامية أنهم كانوا يستبشرون يوم بروح الشيخ تقي الدين الصائغ إلى جنازة. قال القاضي محب الدين: كثيرا ما كان يأخذني في خدمته، فكنت أقرأ عليه في الطريق ماشيا، وهو راكب على حمارته. وقال عطاء بن السائب: كنا نقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وهو يمشي قال السخاوي عقب هذا: وقد عاب قوم علينا الإقراء في الطريق، ولنا في أبي عبد الرحمن أسوة، كيف وقد كان لمن هو خير منا قدوة؟
وينبغي له إذا أراد التصنيف أن يبدأ بما يعم النفع به وتكثر الحاجة إليه بعد تصحيح النية، والأولى أن يكون شيئا لم يسبق إلى مثله، وليحذر ما استطاع وليحسن الثناء على من يذكره من الأئمة والشيوخ.
وأما القارئ فتقدم حكمه، وما يجب عليه من الإخلاص وحسن النية ثم يجد في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف فهذه آفة الطالب، وأن لا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة. وليقصد شيخا كملت أهليته، وظهرت ديانته جامعا لتلك الشروط المتقدمة أو أكثرها، فإذا دخل عليه فليكن كامل الحال متنظفا متطهرا متأدبا، وعليه أن ينظر شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه. قال الربيع صاحب الشافعي: ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له. فإن وقع منه نقص فليجعل النقص من نفسه بأنه لم يفهم قول الشيخ كان بعض أهل العلم إذا ذهب لشيخه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني.
وينبغي أن لا يذكر عند شيخه أحدا من أقرانه ولا يقول قال فلان خلافا لقولك، وأن يرد غيبة شيخه إن قدر، فإن تعذر عليه ردها قام وفارق ذلك المجلس. وإذا قرب من حلقة الشيخ فليسلم على الحاضرين وليخص الشيخ بالتحية، ولا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم. ولا يقيم أحدا من مجلسه فإن آثره لم يقبل اقتداء بابن عمر -رضي الله عنهما- إلا أن يقسم عليه أو يأمره الشيخ بذلك. ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما، وإذا جلس فليتوسع وليتأدب