مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ فإن ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه. ولا يرفع صوته رفعا بليغا ولا يضحك ولا يكثر الكلام ولا يلتفت يمينا ولا شمالا بل يكون مقبلا على الشيخ مصغيا إلى كلامه. قال الشيخ محي الدين النووي: ومن آدابه -يعني القارئ- أن يحتمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله فيتأول أفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة فلا يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه انتهى.
وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب، وأن يحرص كل الحرص على أن يقرأ على الشيخ أولا فإنه أَفْوَد له وأسهل على الشيخ. وإذا أراد القراءة ينبغي أن يستاك بعود من أراك فإنه أبقى للفصاحة وأنقى للنكهة. ويجوز له القيام لشيخه وأستاذه وهو يقرأ، ولمن فيه فضيلة من علم أو صلاح أو شرف أو سن أو حرمة بولاية أو غير ذلك، وذكر الشيخ محيي الدين النووي أن قيام القارئ في هذه الأحوال وغيرها مستحب لكن بشرط أن يكون القيام على سبيل الإكرام والاحترام لا على سبيل الرياء والإعظام.
وينبغي أن يفرد القراءات كلها، فإن أراد الجمع فلا بد من حفظ كتاب جامع في القراءات. وعليه أن يحفظ كتابا في الرسم وليعلم حقيقة التجويد ومخارج الحروف وصفاتها، وما يتعلق بها علما وعملا.
وأما الجمع وكيفيته فلم أر أحدا نبه عليه، ولم يكونوا في الصدر الأول يقرئون بالجمع، وقد تتبعت تراجم القراء فلم أعلم متى خرج الجمع، وقد بلغني أن شخصا من المغاربة ألف كتابا في كيفية الجمع لكن ظهر لي أن الإقراء بالجمع ظهر من حدود الأربعمائة وهلم جرا وتلقاه الناس بالقبول، وقرأ به العلماء وغيرهم لا نعلم أحدا كرهه. أقرأ به الحافظ أبو عمرو الداني ومكي القيسي وابن مهران وأبو القاسم الهذلي، وأبو العز القلانسي والحافظ أبو العلاء الهمداني والشاطبي وإسحاق، وممن قرأ به من المتأخرين الإمام الحافظ أبو شامة والإمام المجتهد أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي والإمام الجعبري والناس. والذي ينبغي أن القارئ لا يقصد بتكراره وجه الرواية فقط، وإنما يقصد التدبر والتفكر وتكثير الأجر وأن له بكل حرف عشر حسنات. وينبغي أن لا يقف إلا على وقف أجازه العلماء، ولا يبتدئ إلا بما تظهر به الفائدة وليكرر الوجه بعد الوجه