رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا، واستفاض نقله كذلك، وتلقته الأمة بالقبول كهذه القراءات السبع؛ لأن المعتبر في ذلك اليقين والقطع على ما تقرر وتمهد في الأصول، فما لم يوجد فيه ذلك كما عدا السبع أو كما عدا العشر ففمنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة، وممنوع منه من عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك واجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد فيها تتعلق بعلم العربية لا للقراءة بها هذا طريق من استقام سبيله ثم قال: والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضه متلقاة بالقبول من الأمة كما اشتمل عليه المحتسب لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى من غير أن ينقل قرآنا، فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلاّ، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه، ولا يخلى ذل ضلالة ولا يحل للمتمكن من ذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وإذا شرع القارئ بقراءة ينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقى للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع وعذر المرض مانع من بيانه بحقه والعلم عند الله تعالى.
وقال الشيخ الإمام شيخ المالكية أبو عمرو بن الحاجب: لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة، ولا غيرها عالما كان بالعربية أو جاهلا، وإذا قرأ بها قارئ، فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به، وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأما تبديل "آتنا" بـ"أعطنا" و"سولت" بـ"زينت" ونحوه فليس هذا من الشواذ، وهو أشد تحريما والتأديب عليه أبلغ والمنع منه أوجب انتهى.
فإن قيل: كيف يعرف الشاذ من غيره إذ لم يدع أحد الحصر؟ قلت: الكتب المؤلفة في هذا الفن في العشر والثمان وغير ذلك مؤلفوها على قسمين: منهم من اشترط الأشهر واختار ما قطع به عنده فتلقى الناس كتابه بالقبول وأجمعوا عليه من غير معارض كغايتي ابن مهران وأبي العلاء الهمداني، وسبعة ابن مجاهد، وإرشاد أبي العز القلانسي، وتيسير أبي عمرو الداني، وموجز أبي علي الأهوازي، وتبصرة ابن أبي طالب، وكافي ابن شريح، وتلخيص أبي معشر الطبري، وإعلان الصفراوي، وتجريد ابن الفحام، وحرز أبي القاسم الشاطبي وغيرها، فلا إشكال في أن ما تضمنته من