"جمال القراء": واعلم أن أئمة الدين وعلماء المسلمين أجمعوا على قراءات السبعة حين اعتبروا قراءاتهم وتدبروا روايتهم وعلموا ثقتهم وعدالتهم وإنما سلكوا المحجة ونكبوا عن بنيات الطرق ورفضوا الشاذ واعتمدوا على الأثر وهجروا من خالف ذلك ولم يأخذوا عنه وتركوا قراءة من كان يرى جواز القراءة بما يجوز في العربية وإن لم يرجع إلى آثار مروية عملا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ١. ا. هـ. فقد يتشبث به من لا تحقيق عنده ولا إنصاف. واعلم أنه صريح في عدم صحة قراءات الثلاثة أو غيرها مما عدا السبعة، وغاية ما يدل هو عليه أن الأئمة أجمعوا على قراءات السبعة ونحن نقول بذلك ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون ما عدا السبعة ليس بصحيح وهذا بعينه كقول الإمام محيي السنة البغوي المتقدم في أول هذا الباب حيث حكى اتفاق الأمة على قراءاتهم بل هو أبلغ، ولا يلزم أيضا أن يكون ما وراء العشرة غير صحيح. وأما قول السخاوي وتركوا قراءة من كان يرى جواز القراءة بما يجوز من العربية ولم يرجع إلى آثار مروية فإنه لا يريد بذلك أحدا من الأئمة الثلاثة ولا من رواتهم، وإنما عبر بذلك أبو بكر بن مقسم فإنه كان يرى ذلك وقد أنكر عليه أئمة زمانه ذلك فأحضر واستتيب وكتب عليه محضر بذلك وبرجوعه كما أثبتنا ذلك في كتابنا المسمى بتاريخ القراء وغيره.
ومما يوضح أن السخاوي رحمه الله لم يرد أن قراءة الثلاثة غير صحيحة ولا أنها شاذة ولا أنها لا تجوز التلاوة بها أنه قرأ القرآن كله بالقراءات العشر وما زاد عليها على شيخه الإمام العلامة أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي بدمشق. وقرأ أيضا بالقراءات العشر على الشيخ أبي الفضل الغزنوي بمصر، وقرأ أيضا بعدة كتب في القراءات سوى الشاطبية والتيسير على الشيخ أبي الجود غياث بن فارس بمصر أيضا، وذلك كله بعد قراءته على الشاطبي رحمه الله. وروى كتاب المصباح في القراءات العشر والروايات الكثيرة لأبي الكرم الشهرزوري عن داود بن ملاعب، ونقل منه ما نقل من الغرائب في كتاب "جمال القراء" ولكنه رحمه الله كان مشغوفا بالشاطبية معنيا بشهرتها معتقدا في شأن مؤلفها وناظمها رحمه الله تعالى، ولهذا اعتنى بشرحها فكان أول من شرحها وهو الذي قام بشرحها بدمشق وطال عمره واشتهرت فضائله فقصده الناس من الأقطار فاشتهرت الشاطبية بسببه وإلا فما كان قبله تعرف الشاطبية ولا تحفظها. وكان أهل مصر
١ رواه ابن ماجه في المقدمة باب ٧. والنسائي في العيدين باب ٢٢.