وقد أظهر مخالفة عمر _ رضي الله عنه _ بعد وفاته _ كان رجلا مهيبا فهبته، ويحتمل أن الساكت لا يرى الإنكار في المسائل الاجتهادية بناء على القول بأن كل مجتهد مصيب، وإذا كان السكوت محتملا لهذه المعاني، فلا يكون دليلا على الموافقة فلا ينعقد الإجماع ولا يكون حجة١.
ج_ وجهة نظر أصحاب الرأي الثالث قالوا: إن غاية ما يدل عليه السكوت مع الاحتمالات التي تقدمت هو الموافقة في الظاهر فيكون حجة ظنية كخبر الواحد لكنه لا يكون إجماعا.
والذي ترجح عندي أن ما سمي بالإجماع السكوتي ليس إجماعا، لأن السكوت ليس صريحا في الموافقة فلا يكون إجماعا لافتقاره إلى عنصر الموافقة الذي هو قيد رئيس في تحقق الإجماع، وليس حجة لأنه اتفاق بعض الأمة، والعصمة من الخطأ إنما ثبتت للأمة كافة وليس لبعضها فلا يكون حجة والله أعلم.
ثانيا: الإجماع البسيط والمركب.
يتنوع الإجماع إلى نوعين: بسيط ومركب، لأن الأمر لا يخلو: أما أن يتفق أهل الإجماع في عصر على حكم واحد لحادثة ما، أو تتعدد الأحكام وينعقد الإجماع على كل حكم منها وهذا ما يسمى بالإجماع البسيط.
وإما أن تعدد الأحكام ولا ينعقد الإجماع على كل منها بل يتحزب كل فريق لرأي يخالف الآخر، وهذا سمي بالإجماع المركب.
مخالفة الإجماع البسيط:
إن الحكم المجمع عليه من علماء عصر يكتسب صفة القطعية، ويكون ملزما لجميع أفراد الأمة يجب عليهم جميعا اتباعه والعمل به، ولا يجوز لأحدهم مهما كان مركزه الديني العمل بخلافه. وكذلك يكون هذا الحكم ملزما لأهل العصور التالية مجتهدين وغير مجتهدين، فلا يحق لأحدهم ولا لهم مجتمعين نقض إجماع من سبقهم أو العمل بخلافه، وإلا كانوا تاركين للحق، متبعين للضلال، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلال} قولا واحدا عند جميع المذاهب الإسلامية، لأن الأمة لا تجتمع عل خطأ. وعلماء عصر كل الأمة بالنسبة على ذلك الحكم.
قال الآمدي: "إذا اتفق إجماع أمة عصر من الأعصار على حكم حادثة،
١ نفسه والإحكام للآمدي ج١ ص١٢٩ والمستصفى ج١ ص ١٢١.