للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ظنية فالإجماع عليها يكسبها صفة القطعية، وكذلك بعض المدركات العقلية.

وقيّد بعض العلماء الأمر المتفق عليه بكونه شرعيا، ونفى حجية الإجماع في الأمور الدينية غير الشرعية مما يدرك بالحس أو بالعقل على اعتبار أن المدركات الحسية والعقلية تفيد اليقين فلا يكون الإجماع حجة فيها.

ورُدّ بما ذكرت من أن من المدركات الحسية والعقلية ما تفيد الظن فقط فيصير بالإجماع قطعيا، وأطلق بعض العلماء كابن الحاجب١ والجلال المحلى٢ الأمر ولم يقيدوه بالديني، وعليه يكون الإجماع حجة في كل الأمور دينية كانت أو عادية أو عقلية أو لغوية، وقالوا أن الأدلة الدالة على حجية الإجماع لم تفرق بين الإجماع على أمر ديني أو دنيوي، فإذا ما اتفقوا على أي أمر من أمور التجارة أو الزراعة أو الحروب وغير ذلك، وجب أن يكون حجة.

ونوقش هذا الرأي بما حاصله: _

١_ أن تحقق الإجماع في غير الأمور الدينية وعدم تحققه سواء لأنه غير ملزم للمسلم فلا يأثم بمخالفته.

٢_ أن قول الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ لا يكون حجة في الأمور الدنيوية لقوله _ عليه الصلاة والسلام _ في قصة تلقيح النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"٣ وكان _ عليه السلام _ يرى الرأي في الحروب فيراجعه فيه أصحابه _ كما في غزوة بدر _ فيترك رأيه ويعمل برأيهم، فإذا كان قول الرسول في هذه الأمور ليس بحجة، فالإجماع فيها ليس بحجة من باب أولى لأن الإجماع في مرتبة أدنى من قول الرسول _ صلى الله عليه وسلم _٤.

وبهذا يتضح أرجحية الرأي الذي خص الإجماع بالأمور الدينية سواء أكانت شرعية أم غير شرعية، وعليه أكثر العلماء.

قال الغزالي: "أما تفهيم لفظ الإجماع فإنما نعني به اتفاق أمة محمد _ عليه


١ انظر منتهى الأصول ص٣٧.
٢ انظر شرحه على متن جمع الجوامع ج٢ ص١٧٦.
٣ أخرجه البخاري في باب البيوع ومسلم في باب المساقاة.
٤ انظر محاضرات الشيخ محمد حسن فايد في كلية الشريعة والقانون ((مطبوعة علي الرونيو)) .أخرجه البخاري في باب البيوع ومسلم في باب المساقاة.

<<  <   >  >>