للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا هو مراد السلف رحمهم الله بقولهم: "بلا كيف".

ومع ذلك فقد قال الزمخشري المعتزلي في كشافه: "ثم تعجب من المتسمّين بالإسلام، المتسمّين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة١ مذهباً، ولا يغرّنك تستّرهم بالبَلْكَفَة٢، فإنَّه من منصوبات أشياخهم٣، والقول ما قال بعض العدلية٤ فيهم:

لجماعة سمّوا هواهم سنّة ... وجماعة حمر لعمري موكفه٥

قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا ... شنع الورى فتستّروا بالبلكفه"٦.

وقد أجاب بعض أهل العلم عن هذين البيتين بمثلهما فقال:

عجباً لقوم ظالمين تلقّبوا ... بالعدل ما فيهم لعمري معرفة

قد جاءهم من حيث لا يدرونه ... تعطيل ذات الله مع نفي الصفة٧

ثم هم مع تعطيل الذات ونفي الصفة قد شبّهوا الله تبارك وتعالى بخلقه، لأنّهم إنما قالوا بالتعطيل لتوهمهم التشبيه، ففرّوا منه إلى التعطيل، فوقعوا في


١ يقصد رؤية المؤمنين لربِّهم يوم القيامة بلا كيف إيماناً منهم بالنصوص وتصديقاً.
٢ يريد قول السلف: "بلا كيف" فهو من باب المنحوتات مثل: البسملة والحمدلة، أي: أنَّ قولهم محض التشبيه، ويقولون بلا كيف على سبيل التستّر. انظر: ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص:١٥٩) .
٣ أي: مالك، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، ومكحول، والزهري، وغيرهم من أئمة السلف، وتقدّم نقل ذلك عنهم.
٤ هم جماعته المعتزلة، سمّوا أنفسهم بذلك زاعمين أنهم نسبوا الله تعالى إلى العدل، حيث آخذ العبّاد بما جَنَوه على أنفسهم، ولم يجر به القضاء عليهم. انظر: ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص:١٥٩) .
٥ قوله: "حمر" هو جمع حمار، وقوله: "موكفة"، الوكاف هو البرذعة التي توضع على الحمار، بهذا شبه هذا الظالم أهل السنة والجماعة، عامله الله بعدله.
٦ الكشاف للزمخشري (٢/٩٢) .
٧ ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص:١٥٩) .

<<  <   >  >>