للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عقله له نطاق محدّد، ومجال لا يمكن أن يتجاوزه.

يروى أنَّ رجلاً أتى بابن له إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: "لقد حيّرت الخصومة عقله، وأذهبت المنازعة قلبه، وذهبت به الكلفة عن ربه، فقال عبد الله: امدد بصرك يا ابن أخي ما السواد الذي ترى؟ قال: فلان، قال: صدقت، قال: فما الخيال المسرف من خلفه؟ قال: لا أدري، قال عبد الله: يا ابن أخي فكما جعل الله لأبصار العيون حداًّ محدوداً من دونها حجاباً مستوراً فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها، وحدوداً لا يتعدّاها، قال: فردّ الله عليه غارب عقله، وانتهى عن المسألة عما لا يعنيه، والنظر فيما لا ينفعه، والتفكر فيما يحيِّره"١.

وهو كلام حسن وتنظير سديد وإن كان لم يثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما٢ والأمر كما ذكر، فكما أنَّ الله جعل لأبصار العيون حدوداً معلومة فكذلك الشأن في أبصار القلوب، لها مجال محدود لا يمكنها أن تتجاوزه أو تتعدّاه.

أورد هذا الأثر ابن بطة في كتابه الإبانة وقال معلِّقاً عليه: "فاتقوا الله يا معشر المسلمين وانتهوا عن معرفة خلقه، أما تعلمون أنَّ الله عز وجل قد أخذ عليكم ميثاق الكتاب أن لا تقولوا على الله إلاّ الحق، فسبحان الله أنى تؤفكون"٣.

وقد عقد الإمام ابن بطة رحمه الله في هذا الموضوع باباً نافعاً في كتابه الإبانة


١ رواه ابن بطة في الإبانة (١/٤٢٢) .
٢ في إسناده أبو اليقظان وهو عثمان بن عمير البجلي ضعيف اختلط وكان يدلِّس ويغلو في التشيُّع كما في التقريب لابن حجر، ومسعود بن بشير لم أجده.
٣ الإبانة لابن بطة (١/٤٢٣) .

<<  <   >  >>