للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

- والله أعلم - وبعد دعوة إبراهيم ربه بأن يجعل {أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} ، وبعد أن نبع زمزم، وأعاد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بناء الكعبة، تقاطر الناس نحو مكة وازداد تقاطرهم بعد أذان الخليل فيهم بالحج بأمر من الله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج/٢٧] .

ومع كثرة الوافدين إلى المسجد الحرام أصبح من الضروري أن يجد هؤلاء الوافدون أماكن لطعامهم، وشرابهم، وقضاء حاجاتهم، ونومهم وسائر حاجاتهم الأخرى خارج المسجد الحرام الذي لا تجوز فيه إلاّ أمور العبادة من صلاة، وذكر، وتلاوة قرآن، وطواف١، ولقوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة/١٢٥] .

فانتشرت حول المسجد الحرام الأماكن الخاصة، والعامة، والدور، والأزقة، والمرافق العامة والخاصة، وهذا مما جعله الله تعالى للإنسان في الأرض، وأمتنَّ به عليه، قال جلّ ذكره: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً...} [النحل/٨٠] ، تأوون إليها وتستترون بها، وتنتفعون، مما شكَّل حول المسجد الحرام من جهاته المختلفة ما يشبه القرية المأهولة بالسكان الذين هوت أنفسهم إلى بيت الله الحرام، فآثروا الجوار بالاستقرار فعُرفوا بعد ذلك بأهل الله٢، فأصبح للقرية حُرمة مستمدة


١ أخرج مسلم في صحيحه عن أنس قال: بينا نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ، مَهْ. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه، دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكرالله عزَّ وجل، والصلاة، وقراءة القرآن"، [انظر صحيحه، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول (١.. ـ ٢٨٥) ] .
٢ روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما استعمل عتّاب بن أسيد على أهل مكة قال له: "يا عتّاب أتدري على من استعملتك على أهل الله تعالى فاستوص بهم خيراً" قال ابن أبي مُليكة: كان أهل مكة فيما مضى يُلْقَوْنَ فيقال لهم: يا أهل الله، وهذا من أهل الله. انظر القِرى لقاصد أم القرى، (ص٦٤٩) ، وعند الفاكهي في أخبار مكة (٣/٦٥) أتدري أين بعثتك؟ بعثتك على أهل الله، ليس بلد أحب إلى الله عز وجل، ولا إليّ منها، ولكن قومي أخرجوني فخرجت، ولو لم يخرجوني لم أخرج. وانظر شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (١/٧٨) ، وانظر الكامل لابن عدي (٧/٢٧) .

<<  <   >  >>