للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكرر ذلك مراراً، حتى جاء أمر الله جلَّ وعلا، يأمرهما بإعادة بناء بيته الحرام بعد أن طمرته الرياح بالرمال، والسيول بالوحل والحجارة، على اعتبار أن الملائكة أول من شيده١، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / ١٢٧] .

حتى إذا شيداه، وأتماّ بناءه توجها إلى ربهما بالدعاء: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة /١٢٨-١٢٩] .

ثم يمتنّ الله تعالى على عباده أن صيَّر بيته الآمن مثابة لهم يعودون إليه حيناً بعد حين، قال عز وجلّ: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة/١٢٥] .

وكلمة (الحرم) تشمل قرية مكة المكرمة، بمبانيها، وطرقها، ومرافقها العامة، تحيط بالمسجد الحرام، إحاطة السوار بالمعصم، وليست منه. قال عمر بن الخطاب لمن أبى أن يأخذ ثمن داره التي هدمها قرب المسجد الحرام لتوسعته، وتمنَّع من البيع، "إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل عليكم" فوضع أثمان دورهم في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد٢ غير أن لها ما يميزها عن سائر مدن


١ قال ابن كثير في تفسيره (١/٣٠٢) : "وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل: الملائكة، وقيل آدم".أ. هـ. وانظر البداية والنهاية (١/١٦ (٣) ١٦٦) . وانظر تفسير القرطبي للآية (١٢٧) من سورة البقرة (٢/١٢) ، وتفسير البغوي عند تفسير الآية نفسها (١/١٤٩) وانظر: تاريخ الكعبة المعظمة لحسين عبد الله باسلامه (ص٤) ط٢ سنة ١٣٨٤هـ.
٢ انظر " شفاء الغرام " للفاسي (١/٢٢٤) ، رواه عن الأزرقي عن جدِّه قال: أخبرني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج، وانظر "تاريخ الأمم والملوك" لابن جرير الطبري (٤/٢٠٦) .

<<  <   >  >>