وهذا العمل من المبتدع، إن كان مقصودًا، فهو كفر، وإن كان غير مقصود فهو ضلال.
٢ ثم إن المبتدع بعمله هذا قد نزّل نفسه منزلة المضاهي للشارع؛ لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري عل سننها، وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون، فالشرع ليس من مدركات العقول، حتى يضع كل إنسان تشريعا من عند نفسه، ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى بعثة الرسل إلى البشريه، فكأن هذا المبتدع في دين الله قد صيّر نفسه نظيرًا ومضاهيا للشارع، حيث عمل تشريعا مثله، وفتح باب الاختلاف والفرقة.
٣ ثم إن هذا العمل من المبتدع أيضا، اتباع للهوى، والشهوات والله يقول:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} ، فمن لم يتبع هدى الله في هوى نفسه، فلا أحد أضلُّ منه) .
إن هذا المبتدع في دين الله عز وجل، الذي جعل نفسه مضاهيا للشارع، قد جاء ذمُّهُ في كتاب الله عز وجل لأنه من زاغ أزاغ الله قلبه، إذ الجزاء من جنس العمل فالله يقول:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ، وذلك باتباعهم المتشابه من القرآن، وترك محكمه، وابتغائهم تأويله، أي تحريفه، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} ١، فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم" وفي رواية قال: "فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عَنَى الله فاحذروهم"، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} ، قال ابن كثير: (أي: فرقا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، فإن الله قد برأ