للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشائب المتبادر هو الرجل الذي شاب شعره، والبعيد المراد هنا هو مازح اللبن، والمشيب اللبن الممزوج، ويقال فيه: مشيب ومشوب.

٧- وحائكا أجذم الكفين ذا خرس ... فإن عجبتم فكم في الخلق من عجب

فالحائك هو الناسج، من حاك الثوب نسجه، إلا أنه لم يرد هذا المعنى إنما أراد الحائك الذي إذا مشى حرك منكبيه وفجج بين ركبتيه.

٨-وساعيا في مسرات الأنام يرى ... إفراحهم مأثما كالظلم والكذب

والإفراح من الأضداد وهو بكسر الهمزة من أفرحته إذا سررته، وأفرحته إذا غممته، فالأول: هو المتبادر ولكن لم يرد الحريري واحدا منهما، وإن كان الثاني ملازما للأول، فهو يقصد: إفراحهم بمعنى إثقالهم بالدين، ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم: "لا يترك في الإسلام مفرح" أي مثقل من الدين.

٩-ومغرما بمناجاة الرجال وله ... وماله في حديث الخلق من أرب

فالمعنى القريب للخلق هو المخلوقات، والمقصود: الكذب.

١٠- وطالما مر بي كلب وفي فمه ... ثور ولكنه ثور بلا ذنب

والمعنى القريب للثور هو ذكر البقر، والثور المقصود هنا هو قطعة من الأقط (نوع من الجبن) .

١١-وكم رأيت بأقطار الفلا طبقا ... يطير في الجو مُنصَبا إلى صَبَبِ

والطبق معروف وهو إتاء مفرطح، إلا أن المقصود هنا القطعة من الجراد i.

يبدو أنني قد أطلت في ذكر ألوان التورية النثرية والشعرية، وحان أن ننتقل إلى لون آخر، إلا أنه ينبغي أن نشير إلى القول بأن هذه التورية هي أقرب منها إلى ألغاز منها إلى التورية الاصطلاحية؛ فقد علق عليها أبو العباس الشريشي بقوله: "لقد أحسن أبو محمد في هذه الفتاوى، وأجاد وبلغ مبلغا من الاقتدار والاتساع فوق المراد، وإن كان لا يوصف فيها بالابتداع فلقد أحسن في الاتباع، فالسابق إليها هو أبو بكر بن دريد في كتاب سماه بالملاحن، وهو أن توري بلفظ عن لفظ، ثم تمم تلك الأغراض وحسنها أحمد بن عبيد الله في كتاب سماه بالمنقذ، وفائدتها التخلص من الظلم أو تسلط غاشم، لا أن يقتطع بها حق مسلم"ii.


i من أراد الوقوف على باقي الأبيات التي اختيرت هذه من بينها فليرجع إلى المقامات ص ٤٩٩.
ii راجع إن أردت الزيادة للشريشي ج ٣ ص ١٥٠.

<<  <   >  >>