قبل أن نخرج من الحديث عن البديع عند الحريري نتساءل هل ترك ذلك الملحق الذي اعتاد البلاغيون أن يذكروه عقب الحديث عن المحسنات ويجعلوه ملحقا به؟
لم يبخل الحريري ولم يترك ذلك اللون المسمى بالسرقات الشعرية، إلا أنه اخترع لنا لونا جديدا من نظم الشعر وقال إن فيه سرقة لا كالسرقات المألوفة، لأنها تمت بأن وضع هو نفسه يده اليسرى في (جيبه) الأيمن، لهذا يبدو لي أنه لا يستحق أن تقطع يده بسبب هذه السرقة، وهذا اللون البديعي للحريري، صنعه بطريقة خاصة معينة، وهي أن يأتي بأبيات من الشعر على قافية الراء مثلا؛ فإذا حذفت الجزء الأخير من البيت تغير بحر القصيدة وتلون بلون آخر، وخرجت القصيدة في ثوب آخر جديد، وانتهت بقافية أخرى جديدة؛ فالمثال أحسن موضح لجواب السؤال، وإليك بما نقول من المقامة الثالثة والعشرين:
يا خاطِب الدنيا الدَّنيّة إنها ... شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت غدا بعدا لها من دار
وإذا أظل سحابُها لم ينتقع ... منه صدى لِجَهامه الغرّار
غاراتها ما تنقضي وأسيرها ... لا يفتدى بجلائل الأخطار
كم مُزدهي بغرورها حتى بدا ... متمردا متجاوز المقدار
قلبَتْ له ظهر المجن وأولغت ... فيه المُدى ونَزَت لأخذ الثار