وأشاد في عمله في أدب جم وتواضع بالغ، مع علمه بفضل مقاماته على مقامات البديع، لكنه تقدير اللاحق للسابق، ومما يدل على فضل مقامات الحريري أنها مذ ظهرت لم تستعمل مقامات البديع، لهذا إذا دققت النظر تجد أن الحريري لم يتجاهل فضل الله عليه، فقد حصر فضل مقامات البديع على التقدم في الزمن حتى لا يبعد عن الحقيقة، وهذا مذهب مستحسن حيث لم ير لنفسه فضلا على غيره، بل جعل عمله مثل جري الفرس الأعرج الذي لا يستطيع إذا اجتهد أن يلحق مشي الصحيح.
والجانب الذي سندرسه للحريري هو الجانب البديعي بالمعنى الاصطلاحي المتأخر تقريبا، لا بالمعنى الواسع المتعارف لدى المتقدمين الأوائل، لهذا يبدو أنه من المناسب أن نتناول معنى كلمة البديع وإن كان معناها معلوما عند أكثر قراء العربية.