للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه، وجميل الثقة بوعده ثم هو يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب الصابرين فهو يحب من الأعمال والناس ما أحبه الله، فيبادله الله تعالى حباً بحب، ووداً بود، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} ] مريم: ٩٦ [. والذين عرفوا ربهم وأحبوه، أحبوا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم الذي عرفهم به، ودلهم عليه، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب الإنسان من نفسه التي بين جنبيه يقول عليه الصلاة والسلام:"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين"١.

ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي: غاية الغايات، ونهاية النهايات ومطلب الأخيار الأبرار، إذ هي لذة القلب نعيمه وراحته ورحمته، وجماله وأنسه وما من خلق قبل المحبة إلا هو طريقها ودليلها والموصل إليها كالتوبة والصبر، إن محبة الله ورسوله إذا حلت في القلب أثرت المحبوب على كل ما عداه، وقدمته على جميع مَنْ سواه، وكل محبة بعد ذلك فهي تابعة كمحبة المؤمن لأخيه المؤمن، وإيثاره على نفسه، وتنفيس كربته وستر عورته.

وأما الخوف الذي أضافه ابن كثير إلى تعريف العبادة فهو يعطي أن عباد الله الذين عرفوا ربهم، وخضعوا له واستجابوا لأمره، وأثمرت لهم هذه المعرفة حباً وشوقاً، يخشون ربهم، ويخافونه، وهم دائما بين خوف ورجاء، وقد امتدح الله عباده، الذين يخشون ربهم ويخافون حسابه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} ] المؤمنون: ٥٧-٦١ [.

وكلما قويت معرفة العبد بربه، كلما اشتدت خشيته منه وتعظيمه له يقول عليه الصلاة والسلام."من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة"٢. وأدلج: سار من أول الليل. والمعنى: التشمير في الطاعة.

والعبادة بعناصرها المتقدمة لا تكون صحيحة ومقبولة إلا إذا وقعت على الوجه المشروع، وقصد بها صاحبها وجه الله وحده، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ] الكهف: ١١٠ [.


١ رواه البخاري.
٢ رواه الترمذي وقال حديث حسن.

<<  <   >  >>