مع عدم التصريح به للجمهور وهم عامة الناس غير العلماء بل هو مفهوم خاص بالخاصة، ولا يجوز لهم البقاء مع ظاهر الشرع حين يخالف ظاهر الشرع الحكمة - في زعمهم - ويسمى ذلك عندهم التوفيق بين الشريعة والحكمة. المفهوم الثاني: مفهوم يخص الجمهور، وهم عوام الناس غير العلماء كما تقدم, وواجبهم التمسك بظاهر الشرع قبل أن يحيدوا عنه، ولا يجوز لهم التأويل بل يخبرون عنه. هذه هي فلسفة ابن رشد في هذه المسألة، وقد وقع فيما هو أقبح مما عابه على أهل الكلام حيث زعم أن للشريعة الإسلامية معنيين، معنى جمهوري أو شعبي ومعنى فلسفي خاص بالحكماء، وادعى أن كلا المعنيين صحيح، ومراد للشارع، وسبق أن صرح - فيما نقلنا عنه - أن مثل هذا الادعاء تغيير للشريعة وإفساد على الناس، ويعد ابن رشد علماء الشريعة من العوام أو الجمهور ولا يطلق لقب العلماء إلا على الفلاسفة الذين يسمونهم حكماء أحياناً.
ولست أدري كيف غاب عن هذا الفيلسوف الكبير أن الحق لا يتعدد، بل هو واحد بلا نزاع، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!!.
يذكرني موقف ابن رشد هذا قول الشاعر العربي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم
بل ما فعله ابن رشد أقبح مما فعله علماء الكلام في هذا المقام بالذات, قبل أن نضيف سخريته من علماء الشريعة والاستخفاف بهم حيث يعدهم من العوام.