فطالما خضنا في هذا المبحث الخطير فلا بد أن نقول شيئاً في محاولة الإجابة على سؤال خطير يتردد في الأذهان، وربما ظهر على بعض الألسنة أحياناً والسؤال يتكون من فقرتين، ونص السؤال هكذا:
إذا شاء الله من الإنسان المعصية ولم يشأ منه الطاعة فلم يحاسبه على ما لم يشأ منه؟
ولم لم يشأ منه الطاعة كما شاءها من غيره؟
الجواب على الفقرة الأولى من السؤال: سبق أن تحدثنا أن في الأصول القطعية عند أهل السنة أن الهداية والضلال, والطاعة والمعصية بمشيئة الله وأن الإنسان سبب في وقوعها، ومسئوليته عن أفعاله أصل قطعي آخر من هذه الزاوية، فالقاعدة التي يتفق عليها العقلاء أن القطعيات لا تتناقص في نفسها، وإن بدت لنا متناقضة لقصور إدراكنا.
فحسبنا أن نقف عند هذه القطعيات ونؤمن بها جميعاً، ولا نرد منها شيئاً ولو لم نحط بها علماً، لأن مسألة القضاء والقدر لها تعلق بصفات الله تعالى: كعلمه وحكمته وإرادته، وحيث أننا نعجز عن الإحاطة بصفات الله تعالى, فكذلك نعجز عن الإحاطة بسر القدر، وسر القدر هو أن الله تعالى أضل وهدى وأسعد وأشقى، وأمات وأحيا غير ذلك كل ذلك لحكمة يعلمها ولا نعلمها، ها هنا السر!!!
وهو العليم الحكيم، فسبحان الذي أحاط كل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً.
ولا يضير المرء في إيمانه عجزه عن الإحاطة بسر القدر لأن ذلك ليس بمستطاع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولكن الذي يضيره أن يبني على عجزه أحكاماً ويتصرف على غير هدى. من ذلك رد بعض الأصول القطعية في القدر، وضرب النصوص بعضها ببعض.
وللجواب على الفقرة الثانية في السؤال نورد قول علي رضي الله عنه:"القدر سر الله فلا نكشفه" ومن سر القدر عجزنا عن جواب: (لم شاء الله الطاعة من زيد ووفقه، بينما لم يشأ من عمرو ولم يوفقه؟) , بل الجواب الذي ليس بعده جواب قوله تعالى:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}(الانبياء: ٢٣) ، ومما لا نزاع فيه بين العقلاء أن المالك له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا يلزم ليكون تصرفه سليماً أن يدرك غيره الحكمة الباعثة, والعلة في تصرفاته, وليس لأحد حق الاعتراض عليه في تصرفه، إذا لم يعلم السر في أفعاله.