وهذا يعني باختصار إقصاء الدين عن الحياة والحيلولة بينه وبين أداء مهمته التي جاء لأجلها وسجنه في المعابد والأديرة والكهوف مع منعه من التدخل في شؤون الحكم والسياسة والاقتصاد والتعليم وسائر مرافق الحياة الحية وتفويض كل ذلك إلى مردة من الطواغيت الذين يتألهون على العباد ويستكبرون في الأرض ويسعون فيها فسادا ويستذلون الرقاب ويقيمون للناس شريعة الهوى والشيطان بدلا من شريعة الرحمن وهداية القرآن وينصبون من أنفسهم سدنة للدين الجديد الذي أتوا به. وقد كانت هذه الفكرة من أخطر ما جلبه الغزو الفكري إلى بلاد المسلمين فقد جاء الغزاة إلى الشرق المسلم وهم حديثو عهد بالتحرير من الطغيان البابوي الذي رزحوا تحت نيره زمنا طويلا وعانوا منه ما عانوا باسم الدين، واستطاعوا بعد صراع مرير إقصاء البابا ودينه من حياتهم ثم انطلقوا في الأرض وهم يحملون فكرة فصل الدين عن الدولة بمعنى أن الدولة سلوكها كله وفي جميع شؤونها الخاصة والعامة لا تسترشد بمبادئ الدين ومعتقداته ورجال الحكم والسياسة أحرار في تصرفاتهم بغير وازع أو رقيب من الدين والدين بحد ذاته لا يعدو أن يكون علاقة خاصة بين العبد وربه. وجاءوا إلى الشرق مزودين بهذه الفكرة ليجدوا في الشرق دينا عظيما يلبي جميع حاجات الإنسان في حياته الخاصة والعامة وينظم علاقته بربه وعلاقته بأخيه الإنسان. فكان هذا الدين بشموله وواقعيته وتكامل نظرته إلى الوجود أعظم عدو جابهوه لذلك ولتستقر أقدامهم في أرض الإسلام لا بد من الحيلولة بين الإسلام والحياة وذلك بتشويه فكرة أبنائه عنه ومسخ مفهوم الدين في نفوس المسلمين وجعله رهبانية سجين الصوامع. وقد أشار إلى هذا المعنى رئيس وزراء بريطانيا (غلاديستون) في مجلس العموم البريطاني حيث قال وهو يشير إلى القرآن الكريم: "لا قرار لكم في مصر ما دام هذا الكتاب في أيدي المصريين". وفعلا نجحت مخططاتهم واستطاعوا أن يزيحوا الإسلام تلك العقبة العظيمة عن طريقهم وذلك بإيجاد أجيال من المسلمين يؤمنون كماأراد لهم أسيادهم بضرورة فصل الدين عن الدولة، ويطلقون بين الحين والآخر تلك الكلمة الخبيثة:"الدين لله والوطن للجميع"، والواقع أن الدين لله والوطن لله والكون كله لله فلا يجوز أن يكون فيه ما لا يرضي الله وهكذا أصبح أبناء المسلمين عونا على دينهم مع أعدائهم وحملوا عن الأعداء عبئا كبيرا في محاربة الدين حتى يتفرغ الأعداء للإفساد في مجالات أخر.