للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلى من لم يسمعها". والحديثان دلا على أن شأن الرواية اتصال الإسناد، فمتى جوزنا للفرع قبول الحديث من شيخه من غير وقوف على اتصال السند الذي تلقاه شيخه أدى ذلك إلى اختلال السند لجواز أن يكون هذا الساقط غير مقبول الرواية، فلا يجوز الاحتجاج بخبره.

قال الإمام ابن عبد البر: "الحجة في رد الإرسال ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر عنه، وأنه لابد من معرفة ذلك، فإذَا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة، إذ قد صح أن التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف"١.

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: "إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه"٢.

هذا وقد وجد بعد الصحابة من القرنين، من وُجدت فيه الصفات المذمومة، لكن بقلة، بخلاف من بعد القرون الثلاثة، إذ كثر آنذاك وانتشر، وقد روى الشافعي- رحمه الله - عن عمه: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، قال: "إِني لأسمع الحديث أستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أي يسمعه سامع فيقتدي به، وذلك أني أسمعه من الرجل لا أثق به وقد حدث به عمن أثق به، أو أسمعه من الرجل أثق به، قد حدث عمن لا أثق به". وهذا كما قال ابن عبد البر: "يدل على أن ذلك الزمان, أي زمان الصحابة والتابعين كان يحدث فيه الثقة وغيره".

ج - المذهب الثالث: التفصيل في المرسل:

للاحتجاج بالحديث المرسل عمد الفقهاء والأصوليون إلى اعتماد معيار لنقد الحديث المرسل وتمحيصه للتأكد من صلاحيته في استنباط الأحكام الشرعية.

قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: "وأحتجُّ بمرسل كبار التابعين، إذا أسند سن جهة أخرى، أو أرسله من أخذ من غير رجال الأول، أو وافق قول الصحابي، أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه"٣. أما أئمة الجرح والتعديل كيحي بن سعيد القطان وعلى بن المديني وغيرهما فوضعا قاعدة للتفصيل في قبول وردّ الحديث المرسل وذلك في التفريق بين من كان لا


١ ابن عبد البر النمري: التمهيد ج١ ص٦.
٢ الخطيب البغدادي: الكفاية. ص ٣٨٧.
٣ النووي: المجموع. ج١.ص٩٩.

<<  <   >  >>