للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الهجر:“فهذا من نوع العقوبات، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر فهي مشروعة، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب فليست مشروعة” ١.

وقال أيضاً:“الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى ترك المنكرات، والثاني بمعنى العقوبة عليها ـ ثم قال عن الثاني ـ وهو: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها.

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كانوا أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدّين وتطهيرهم من الذنوب، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.

وجواب الأئمة أحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة


١ مجموع الفتاوى (٢٨/٢١٧) .

<<  <   >  >>