للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في بعضها عن المصالح التي تتحقق من ورائها.. فكأنه سبحانه. بذلك يدل على أن وراء كل حكمة مصلحة، وكأنه بذلك سبحانه يدلنا على أن نقيس على المصالح، فبعد أحكام الصيام نجد قول الله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .

وبعد أحكام الوضوء نجد قول الله {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم} وعن الصلاة يقول سبحانه {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} .

وفي تحويل القبلة يقول سبحانه {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} . وفي القصاص قول الله سبحانه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَاب} .

فماذا على الناس بعد ذلك أن يرعوا المصالح التي أرشد إليها رب الناس؟

(٢) إن المصالح تدور في فلك مقاصد الشارع التي استقرئت من أحكامه وهي:

الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

وبالنظرة الفاحصة فإن الأخذ بالمصلحة على هذا النحو يمثل لونا من القياس على النصوص ليس في عبارتها ومبناها ولكن في مقاصدها ومعناها١..

فهي ليست كما ظن البعض انفلاتا من النصوص أو خروجا عليها أو حكما بالرغبة والهوى والتشهي وإنما هي حكم بالنصوص بروحها ومقاصدها إلى جوار ألفاظها وعبارتها.

وهي بذلك تحقق شمولا واتساعا ومرونة هي سر من أسرار خلود هذه الشريعة.

(٣) سلك الصحابة سبيل الاجتهاد بناء على المصلحة، فجمع أبو بكر المصحف ودوًن عمر الدواوين وسك العملة، وعلى ضمن الصناع وقال ((لا يصلح الناس إلا ذاك)) .

والصحابة في ذلك لا يصدرون عن رأي مجرد أو هوى متبع، وإنما يصدرون عن القرآن الذي تلقوه، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي تعلموا على يديه، ومسلكهم في هذا السبيل نقتدي به ونقتفي أثره عملا بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".

ولقد وقع البعض في خطأ كبير إذ ظنوا أن الصحابة كانوا يعملون المصلحة ولو صادمت النصوص.


١ في هذا المعنى يقول الأستاذ أبو زهرة.. المصلحة من جنس المصالح التي أقرها الإسلام فهي رجوع إلى عموم المقاصد التي أخذت من النصوص (تاريخ المذاهب الفقهية –ج ٢ ص ٤٠٠) .

<<  <   >  >>