للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا الإيلام والإيذاء. وذلك هو ضرب الأدب غير المبرح وغير الشائن، بحيث لا يكسر عظماً ولا يتلف عضواً، ولا يورث شيناً أو جرحاً، ويتجنب الوجه، ولا يوالي به في موضع واحد، لئلا يعظم الضرر، ويقتصر فيه على قدر الكفاية (١) .

ومع أن الضرب مباح إلا أن تركه أفضل، فقد أخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجة من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذئاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"؛ فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن (٢) النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم " (٣) .

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في حجة الوداع: "واتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (٤) .

ولا يخفى أن تحمل أذى النساء والصبر عليهن أفضل من ضربهن، إلا لداع قوي.

قال الفخر الرازي: وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في


(١) انظر: تفسير القرطبي ٥/١٧٢، وتفسير ابن كثير ٢/٢٩٥، وتفسير الفخر الرازي ١٠/٩٣.
(٢) ذئرت المرأة على بعلها، وهي ذائر: نشزت واجترأت وتغير خلقها. اللسان، مادة: ذأر.
(٣) أبو داود، برقم: (٢١٤٦) ، والنسائي، برقم: (٩١٦٧) ، وابن ماجة، برقم: (١٩٧٥) .
(٤) صحيح مسلم، برقم: (١٢١٨) .

<<  <   >  >>