وإن كان قابلاً للدفع، فلا معنى للغم، بل ينبغي أن يحتال الدفعبعقل غير مشوب بحزن. فإذا فعل ما قدر عليه، من تمهيد حيل الدفع، بقي ساكن القلب، منظراً لقضاء الله وقدره عالماً بأنه لا مرد لما قضاه، فيتلقاه بصبر، إن لم يندفع ويتحقق إن ما قدر فهو كائن. ويتذكر قوله تعالى:(ما أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ في الأرض وَلا في أَنْسِكُمْ إلا في كتابٍ مِنْ قَبْل أن نَبْرأهَا) الآية. وإنما حرض الناس على تهيئة أسباب الدنيا، منشأه الغرور وحسن الظن بانحسار الآفات وتقدم صفاء الأوقات، وهيهات، ثم هيهات! قال الإمام علي، رضي الله عنه:" ما قال الناس لقوم طوبى لكم، إلا وقد خبأهم الدهر ليوم سوء ". وصدق الشاعر، فيما قال:
إنّ الليالي لم تُحسنْ إلى أحَدٍ ... إلاّ أسَاءَتْ إليهِ بَعْدَ إحْسَانِ
وما قصر أبو منصور الثعالبي في وصف الدنيا، حيث قال:
تَسَلِّ الدّنيا وَلاَ تَخطبنّها ... ولا تخطبنّ قتاله من تناكَح
فليسَ يفي مرجوّهاً بمخوفها ... ومكروهها لما تدبَّرت راجح
لقد قالَ فيها الواصِفونَ فأكثروا ... وَعندِي لَها وصفٌ لعمري صالح
سلاف قصاراه زعاف، ومركب ... شهي، إذا استلذذته فهو جامح
وشخصٌ جميلُ يونقُ الناس حسنهُ، ... ولكن له أسرار سوء قبائح
فالعاقل، إذا أمعن النظر في هذه الأمور، خفّ على قلبه أكثر الغموم، إلا إذا كانت العلاقة قد استحكمت بينه وبين معشوق،