للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من آدمي أو مال أو عقار، أو حرفة، أو رياسة أو ولاية، أو امر من الأمور، فلا خلاص له عن غمومها، إلا بعد قطع العلائق عنها. ولا يمكن ذلك إلا بكفّ النفس عنها تدريجياً، والاشتغال بغيرها، وإن كان ذلك الغير أيضاً مما يجانسها في وجوب التباعد عنه، ولكن لا بأس بغسل الدم بالدم، إذا كان الأول أشد لصوقاً والتزاقاً، وهذه من دقائق الرياضيات، فإن النزوع عما وقع الألف به دفعة واحدة عسر، بل ممتنع. ولذلك يرقى الصبي الذي يعلم الأدب بالترغيب في اللعب بالصولجان والطيور، ثم يكفّ عن اللعب بالترغيب في الثروة والمال، والتزيين بالثياب الجميلة وغيرها، ثم يرقيه من ذلك بالترغيب في المحمدة والثناء، ونيل الكرامة والرئاسة، ثم يرقيه بالترغيب في سعادة الآخرة، ويكون الرئاسة آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين. ولقد كانت هذه المعالجة بأمور محذورة في نفسها، ولكن مطلوبة بالإضافة إلى ما هو شرّ منها، وكأنها منازل وأطوار الآدمي يرتقي فيها واحداً، ولا يمكن الخلاص إلا بهذا التدريج، فليراع ذلك في كل صفة استولت على النفس، واشتدت علاقتها، وبقطع العلائق تمحّى الغموم.

<<  <   >  >>