للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من جلال الله وبهائه، ولا يفارق ذلك في أطواره وأحواله، وإن اشتغل بضروريات بدنه من تناول طعام، وقضاء حاجة، وغسل ثوب، وغيره. بل يكون مثاله في جميع الأحوال مثال عاشق، سهر في انتظار معشوقه مدة، وتعب فيه زماناً، ثم قدم عليه معشوقه فاستبشر به، فاستولى عليه قضاء حاجته فلزمه ضرورة مفارقته، وقصد بيت الماء، فيفارقه ببدنه مضطراً، والقلب حاضراً عنده حضوراً، لو خوطب في أثناء ما هو فيه لم يسمعه لشدة استغراق فكره بمعشوقه، ولا يكون ما هو فيه صارفاً عن قرّة عينه، وهو مكره فيه. فالسالك ينبغي أن يكون كذلك في أشغاله الدنيوية، بل لا يكون له شغل سوى ضروريات بدنه، وهو في ذلك مصروف القلب إلى الله عز وجل، مع غاية الإجلال والتواضع، وإذا لم يبعد أن تتحرك شهوة الجماع تحريكاً هذه صفته عند من استولى عليه الشهوة، ووقع في عينه جمال صورة آدمي، خلقت من نطفة قذرة مذرة، ويصير على القرب جيفة قذرة، وهو فيما بين ذلك يحمل العَذرة، فكيف يتعذر ذلك في إدراك جلال الله وجماله الذي لا نهاية له؟ وعلى الجملة، فلا يتم سلوك هذا الطريق إلا بحرص شديد، وإرادة تامة، وطلب بليغ. ومبدأ الحرص والطلب إدراك جمال المطلوب، الموجب للشوق والعشق، ومبدأ درك جمال المطلوب النظر وتحديق بصر العين نحوه إعراضاً عن سائر المبصرات.

<<  <   >  >>