للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٩٧٩ - يَعْنِي مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، نا مُسَدَّدٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَانِ. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْلِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا الْعَشَاءَ. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْلَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تَصْلُحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَا يُرِيَانِهِ كَأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ ـ أَوْ عَجِبَ ـ مِنْ فَعَالِكُمَا» . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] . روَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ فُضَيْلٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ فُضَيْلٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ «عَجِبَ» ، وَلَمْ ⦗٤٠٣⦘ يَذْكُرِ الضَّحِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: «مَعْنَى الضَّحِكِ الرَّحْمَةُ» . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَرِيبٌ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى مَعْنَى الرِّضَى لِفِعْلِهَمَا أَقْرَبُ وَأَشْبَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الضَّحِكَ مِنْ ذَوِي التَّمْيِيزِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى وَالْبِشْرِ، وَالِاسْتِهْلَالُ مِنْهُمْ دَلِيلُ قَبُولِ الْوَسِيلَةِ، وَمُقَدِّمَةُ إِنْجَاحِ الطَّلَبَةِ، وَالْكِرَامُ يُوصَفُونَ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ» يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ أَيْ: يُجْزِلُ الْعَطَاءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الضَّحِكِ وَمُقْتَضَاهُ قَالَ زُهَيْرٌ:

[البحر الطويل]

تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا ... كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهْ

وَإِذَا ضَحِكُوا وَهَبُوا وَأَجْزَلُوا، قَالَ كُثَيِّرٌ:

[البحر الكامل]

غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ

وَقَالَ الْكُمَيْتُ أَوْ غَيْرُهُ:

[البحر الوافر]

فَأَعْطَى ثُمَّ أَعْطَى ثُمَّ عُدْنَا ... فَأَعْطَى ثُمَّ عُدْتُ لَهُ فَعَادَا

مِرَارًا مَا أَعُودُ إِلَيْهِ إِلَّا ... تَبَسَّمَ ضَاحِكًا وَثَنَى الْوِسَادَا"

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «قَوْلُهُ» عَجِبَ اللَّهُ «. إِطْلَاقُ الْعَجَبِ لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الرِّضَى، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ مِنْهُمَا حَلَّ مِنَ الرِّضَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْقَبُولِ لَهُ، وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، مَحِلَّ الْعَجَبِ عِنْدَكُمْ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ إِذَا رُفِعَ فَوْقَ قَدْرِهِ، وَأُعْطِيَ بِهِ الْأَضْعَافُ مِنْ قِيمَتِهِ» . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: «وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَعْجَبَ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ وَيُضْحِكَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيثَارَ عَلَى النَّفْسِ أَمَرٌ ⦗٤٠٤⦘ نَادِرٌ فِي الْعَادَاتِ، مُسْتَغْرَبٌ فِي الطِّبَاعِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى سَعَةٍ الْمَجَازِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى مَذْهَبِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْكَلَامِ، وَنَظَائِرُهُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ»

<<  <  ج: ص:  >  >>