للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٠٢٩ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي إِمْلَاءً، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، نا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي أَعْطَيْتَهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصًّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ. ⦗٤٤٨⦘

١٠٣٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ: كُنْتُ أَسْرَعَ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ سَمْعِهِ فِي الِاسْتِمَاعِ وَبَصَرِهِ فِي النَّظَرِ وَيَدِهِ فِي اللَّمِسِ وَرِجْلِهِ فِي الْمَشْيِ.

١٠٣١ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ الْجُنَيْدُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» . يُرِيدُ: لِمَا يَلْقَى مِنْ عِيَانِ الْمَوْتِ وَصُعُوبَتِهِ وَكَرْبِهِ، لَيْسَ أَنِّي أَكْرَهُ لَهُ الْمَوْتَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ يُورِدُهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ". وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: «وَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» وَهَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا، وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ تَوْفِيقُهُ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُبَاشِرُهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَتَيْسِيرُ الْمَحَبَّةِ لَهُ فِيهَا فَيَحْفَظُ جَوَارِحَهُ عَلَيْهِ، وَيَعْصِمُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنْ إِصْغَاءٍ إِلَى اللَّهْوِ بِسَمْعِهِ، وَنَظَرٍ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ اللَّهْوِ بِبَصَرِهِ، وَبَطْشٍ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ بِيَدِهِ، وَسَعْيٍ فِي الْبَاطِلِ بِرِجْلِهِ. وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ سُرْعَةَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَالْإِنْجَاحَ فِي الطِّلْبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَسَاعِيَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا تَكُونُ بِهَذِهِ الْجَوَارِحِ الْأَرْبَعِ، وَقَوْلُهُ: مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا مَثَلٌ، وَالتَّرَدُّدُ فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْبَدَاءُ عَلَيْهِ فِي الْأُمُورِ غَيْرُ سَائِغٍ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ عَلَى ⦗٤٤٩⦘ الْمَهَالِكِ مَرَّاتٍ ذَاتِ عَدَدٍ مِنْ دَاءٍ يُصِيبُهُ، وَآفَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، فَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَشْفِيَهُ مِنْهَا، وَيَدْفَعَ مَكْرُوهَهَا عَنْهُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ كَتَرَدُّدِ مَنْ يُرِيدُ أَمْرًا ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَتْرُكُهُ وَيُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَائِهِ إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ كَتَبَ الْفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ، وَاسْتَأْثَرَ الْبَقَاءَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْبَلَاءَ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَا رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَمَلَكِ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، وَمَا كَانَ مِنْ لَطْمَةِ عَيْنِهِ، وَتَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَتَحْقِيقُ الْمَعْنَى فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا: عَطْفُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَبْدِ، وَلُطْفُهُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>