١٧٠ - وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , ثنا الْفِرْيَابِيُّ ح , قَالَ سُلَيْمَانُ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , ثنا أَبُو نُعَيْمٍ , قَالَا: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ثُمَّ قَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ: وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ يَكْفِي الِانْسِلَاخُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَإِذَا تَأَمَّلْنَاهَا وَجَدْنَاهَا بِالْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَنْ ⦗٢٣٦⦘ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهَ تَعَالَى وَنَفَى غَيْرَهُ فَخَرَجَ بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَ مِنَ التَّعْطِيلِ , وَبِمَا ضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْيِ غَيْرِهِ مِنَ التَّشْرِيكِ , وَأَثْبَتَ بِاسْمِ الْإِلَهِ الْإِبْدَاعَ وَالتَّدْبِيرَ مَعًا , إِذْ كَانَتِ الْإِلَهِيَّةُ لَا تَصِيرُ مُثْبَتَةً لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِضَافَةِ الْمَوْجُودَاتِ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لوُجُودِهَا دُونَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَهُ وَصُنْعًا , وَيَكُونُ لوُجُودِهَا بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ تَعَلُّقٌ , وَلَا بِإِضَافَةِ فِعْلٍ يَكُونُ مِنْهُ فِيهَا سِوَى الْإِبْدَاعِ إِلَيْهِ مِثْلُ التَّرْكِيبِ وَالنَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ , فَإِنَّ الْأَبَوَيْنِ قَدْ يَكُونَانِ سَبَبًا لِلْوَلَدِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ , ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْمَ الْإِلَهِ , وَالنَّجَّارُ وَالصَّائِغُ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرَكِّبُ وَيُهَيِّئُ , وَلَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْإِلَهِ , فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ لَا يَجِبُ إِلَّا لِكُلِّ مُبْدِعٍ , وَإِذَا وَقَعَ الِاعْتِرَافُ بِالْإِبْدَاعِ فَقَدْ وَقَعَ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَادَ تَدْبِيرٌ , وَلِأَنَّ تَدْبِيرَ الْمَوْجُودِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِتْقَانِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ أَعْرَاضٍ فِيهِ , أَوْ إِعْدَامِهِ بَعْدَ إِيجَادِهِ , وَكُلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فَهُوَ إِبْدَاعٌ وَإِحْدَاثٌ , وَفِي ذَلِكَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِفَصْلِ التَّدْبِيرِ عَنِ الْإِبْدَاعِ وَتَمَيُّزِهِ عَنْهُ , وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْإِبْدَاعِ يَنْتَظِمُ جَمِيعَ وُجُوهِهِ وَعَامَّةَ مَا يَدْخُلُ فِي بَابِهِ , هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَارِي عَلَى سُنَنِ النَّظَرِ , مَا لَمْ يُنَاقِضْ قَوْلَهُ مُنَاقِضٌ فَيُسَلِّمُ أَمْرًا وَيَجْحَدُ مِثْلَهُ , أَوْ يُعْطِي أَصْلًا وَيَمْنَعُ فَرَعَهُ فَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَيْضًا تَأْتِي عَلَى نَفْيِهِ , لِأَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ إِذَا ثَبَتَ فَكُلُّ وَصْفٍ يَعُودُ عَلَيْهِ بْالْإِبْطَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِثُبُوتِهِ , وَالتَّشْبِيهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ , لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ شَبِيهٌ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى شَبِيهِهِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْإِلَهِ , كَمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ خَلْقُهُ الَّذِي شَبَّهَهُ بِهِ , فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ وَالتَّشْبِيهَ لَا يَجْتَمِعَانِ , كَمَا أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ وَنَفْيَ الْإِبْدَاعِ عَنْهُ لَا يَأْتَلِفَانِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ