٥٩٢ - وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْبَطَايِينِيَّ، وَنَحْنُ بِالرِّيِّ يَقُولُ ـ وَكَانَ أَبُو الْفَضْلِ يَحْجُبُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إِذَا رَكِبَ ـ قَالَ: خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَوْمًا قُرْبَ الْعَصْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا لَا أَدْرِي أَيْنَ مَقْصِدُهُ، إِلَى أَنْ بَلَغَ بَابَ مَعْمَرٍ، فَدَخَلَ دَارْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ مُنْقَسِمُ الْقَلْبِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْبَعَةَ الصَّغِيرَةَ وَقَرُبَ مِنْ خَانِ مَكِّيٍّ وَقَفَ وَقَالَ لِمَنْصُورٍ الصَّيْدَلَانِيِّ: تَعَالَ. فَعَدَا إِلَيْهِ مَنْصُورٌ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: مَا صَنْعَتُكَ؟ قَالَ: أَنَا عَطَّارٌ. قَالَ: تُحْسِنُ صَنْعَةَ الْأَسَاكِفَةِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: تُحْسِنُ صَنْعَةَ النَّجَّارِينَ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ لَنَا: إِذَا كَانَ الْعَطَّارُ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ، فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ ⦗٢٢⦘ الْكَلَامَ وَقَدْ قَالَ لِي مُؤَدِّبِي ـ يَعْنِي الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ غَيْرَ مَرَّةٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَانَا عَنِ الْكَلَامِ. قُلْتُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَلْقَى فِي سَمِعِ الشَّيْخِ شَيْئًا مِنْ بِدْعَتِهِ وَصَوَّرَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، يُرِيدُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيَّ، وَأَبَا مُحَمَّدِ بْنَ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ، أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ فِي الْأَزَلِ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ، وَتَكَلَّمَ بِمَا يُوهِمُ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ الْكَلَامِ، مَعَ اعْتِقَادِهِ قِدَمَهُ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْفَقِيهَ أَمْلَى اعْتِقَادَهُ وَاعْتِقَادَ رُفَقَائِهِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، وَعَرَضَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَاسْتَصْوَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَارْتَضَاهُ وَاعْتَرَفَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلَامَ، وَكَانَ فِيمَا أَمْلَى مِنِ اعْتِقَادِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ نُسْخَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا مَرَّةً وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ ثُمَّ انْقَضَى كَلَامُهُ كَفَرَ بِاللَّهِ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا، وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا، لَا مِثْلَ لَكَلَامِهِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، نَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمِثْلَ عَنْ كَلَامِهِ، كَمَا نَفَى الْمِثْلَ عَنْ نَفْسِهِ، وَنَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩] فَكَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ بَائِنٍ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ دُونَهُ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ هُوَ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتٍ كَعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لَمْ يَزَلْ رَبُّنَا عَالِمًا، وَلَا يَزَالُ عَالِمًا، وَلَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ، فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَلَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ وَاحِدًا وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. وَكَانَ فِيمَا ⦗٢٣⦘ كَتَبَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِهِ خَلْقًا وَلَا مَخْلُوقًا، وَلَا فِعْلًا وَلَا مَفْعُولًا، وَلَا مُحْدِثًا وَلَا حَدَثًا وَلَا أَحْدَاثًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute