٧٣٥ - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، نا أَبُو الْأَزْهَرِ السَّلِيطِيِّ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْغَنَوِيُّ، نا أَسْبَاطُ بْنُ ⦗١٦٨⦘ نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدِّثْنَا» . قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَعَلَ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْمَاءَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَجَمِيعَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِمَا قَالَ. ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ٦٧] إِلَى قَوْلِهِ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧] قَرَأَهَا كُلَّهَا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحُنَيْنِ الْكُوفِيِّ عَنِ الْغَنَوِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، وَإِنَّمَا فَهِمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ مَا سَيقَ لِأَجْلِهِ مِنْ إِظْهَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِظَمِ شَأْنِهِ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ؛ فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ أَوْ خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِصَحَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِيمَا يَثْبُتُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى أَصْلٍ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا أَوْ بِمُوَافَقَةِ مَعَانِيهَا، وَمِمَّا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالتَّوَقُّفُ عَنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ، وَيُتَأَوَّلُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِمَعَانِي الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ فِيهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي نَبْنِي عَلَيْهِ الْكَلَامَ ⦗١٦٩⦘ وَنَعْتَمِدُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ الَّتِي شَرْطُهَا فِي الثُّبُوتِ مَا وَصَفْنَاهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ فِي الصِّفَاتِ، بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ بِثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْأَصَابِعَ، بَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ شَرْعِيُّ، أَطْلَقْنَا الِاسْمَ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهَ الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهَا، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ، فَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ قَوْلُهُ: «تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ» . قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ رُوِّينَا مُتَابَعَةَ عَلْقَمَةَ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَالْيَهُودُ مُشَبِّهَةٌ، وَفِيمَا يَدَّعُونَهُ مَنَزَّلًا فِي التَّوْرَاةِ أَلْفَاظٌ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ، لَيْسَ الْقَوْلُ بِهَا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ» . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى الْخَلْقِ بِأَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ هَذَا الْحَبْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ فِيهِ بِحَرْفٍ تَصْدِيقًا لَهُ أَوْ تَكْذِيبًا، إِنَّمَا ظَهْرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الضَّحِكُ الْمُخَيِّلُ لِلرِّضَا مَرَّةً، وَالتَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ أُخْرَى، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ مَعًا؛ وَلَيْسَ فِيهَا لِلْأَصَابِعِ ذِكْرٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الرُّوَاةِ: «تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ» . ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، وَالْأَمْرُ فِيهِ ضَعِيفٌ، إِذْ كَانَ لَا تُمَحَّضُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَرُبَّمَا اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ بِحُمْرَةِ اللَّوْنِ عَلَى الْخَجَلِ، وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الْوَجَلِ، وَذَلِكَ غَالِبٌ ⦗١٧٠⦘ مَجْرَى الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنِ ارْتِيَابٍ وَشَكٍّ فِي صَدْقِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمَا بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ لِهَيَاجِ دَمٍ وَزِيَادَةِ مِقْدَارٍ لَهُ فِي الْبَدَنِ، وَأَنْ تَكُونَ الصُّفْرَةُ لِهَيَاجِ مَوَادٍّ وَثَوَرَانِ خَلْطٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَالِاسْتِدْلَالِ بِالتَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَسِيمِ قَدْرُهُ، الْجَلِيلِ خَطَرُهُ غَيْرُ سَائِغٍ مَعَ تَكَافُؤِ وَجْهَيِ الدَّلَالَةِ الْمُتَعَارِضَيْنِ فِيهِ، وَلَوْ صَحَّ الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ كَانَ ظَاهَرَ اللَّفْظِ مِنْهُ مُتَأَوَّلًا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمَجَازِ أَوْ ضَرْبٍ مِنَ التَّمْثِيلِ، قَدْ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْكَلَامِ بَيْنَ النَّاسِ فِي عُرْفِ تَخَاطُبِهِمْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: ٦٧] أَيْ قَدَّرْتُهُ عَلَى طَيِّهَا، وَسُهُولَةُ الْأَمْرِ فِي جَمْعِهَا، وَقِلَّةُ اعْتِيَاصِهَا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ فَاسْتَخَفَّ حِمْلَهُ فَلَمْ يَشْتَمِلْ بِجَمِيعِ كَفِّهِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُقِلُّهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، فَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَمْرِ الشَّاقِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْمُسْتَقِلُّ بِعِبْئِهِ: إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَيْهِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ، أَوْ أَنَّهُ يَكْفِيهِ بِصُغْرَى أَصَابِعِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهَانَةُ بِهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر السريع]
الرُّمْحُ لَا أَمْلَأُ كَفِّي بِهِ ... وَاللِّبْدُ لَا أَتْبَعُ تَزْوَالَهُ
يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ فَيَشْتَمِلُ بِهَا كُلِّهَا عَلَى الرُّمْحِ لَكِنْ يَطْعُنُ بِهِ خِلْسًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: " وَيُؤَكِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute