للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٧٨ - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، نا أَبُو الْجَمَاهِرِ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ، ح. أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَا: نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، فَإِنَّ الْخَيِّرَ مِنَ النَّاسِ يَحِنُّ إِلَى شَكْلِهِ، وَالشِّرِّيرَ يَمِيلُ إِلَى نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ، وَالْأَرْوَاحُ إِنَّمَا تَتَعَارَفُ بِضَرَائِبِ طِبَاعِهَا الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَإِذَا اتَّفَقَتِ ⦗٢١٧⦘ الْأَشْكَالُ تَعَارَفَتْ وَتَآلَفَتْ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَنَافَرَتْ وَتنَاكَرَتْ؛ وَلِذَلِكَ صَارَ الْإِنْسَانُ يُعْرَفُ بِقَرِينِهِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ بِإِلْفِهِ وَصَحْبِهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي حَالِ الْغَيْبِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَامِ، وَكَانَتْ تَلْتَقِي فَتُشَامُّ كَمَا تُشَامُّ الْخَيْلُ. فَلَمَّا الْتَبَسَتْ بِالْأَجْسَامِ تَعَارَفَتْ بِالذِّكْرِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِنَّمَا يُعْرَفُ وَيُنْكَرُ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ الْعَهْدُ الْمُتَقَدِّمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: ١٢] يُرِيدُ جَيْبَ دِرْعِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَقَوْلُهُ: {فِيهِ} [التحريم: ١٢] يُرِيدُ نَفْسَ مَرْيَمَ، وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا فَوَصَلَ النَّفْخُ إِلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: {مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: ٩١] أَيْ مِنْ نَفْخِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الرُّوحُ النَّفْخُ، سُمِّيَ رُوحًا لِأَنَّهُ رِيحٌ يَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

[البحر الطويل]

فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ وَأَحْيِهَا ... بِرُوحِكَ وَاجْعَلْهُ لَهَا قِيتَةً قِدْرَا

قَوْلُهُ: أَحْيِهَا بِرُوحِكَ: أَيْ أَحْيِهَا بِنَفْخِكَ. فَالْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِنَفْخَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دِرْعِ مَرْيَمَ، وَنَسَبَ الرُّوحَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ كَانَ" قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: وَقَدْ تَكُونُ الرُّوحُ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢] أَيْ قَوَّاهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: ١٢] أَيْ: مِنْ رَحْمَتِنَا. وَيُقَالُ لَعِيسَى: رُوحُ اللَّهِ؛ أَيْ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ. وَقِيلَ: قَدْ يَكُونُ الرُّوحُ بِمَعْنَى الْوَحْيِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمَرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر: ١٥] وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢] وَقَالَ {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمَرِهِ} [النحل: ٢] يَعْنِي بِالْوَحْيِ، وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَحْيَ رُوحًا لِأَنَّهُ حَيَاةٌ مِنَ الْجَهْلِ، فَكَذَلِكَ سُمِّيَ الْمَسِيحُ عِيسَى ⦗٢١٨⦘ ابْنُ مَرْيَمَ رُوحًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَهْدِي بِهِ مَنِ اتَّبَعَهُ فَيُحْيِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ، وَقَالَ: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: ١٢] أَيْ صَارَ بِكَلِمَتِنَا كُنْ بَشَرًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ. وَسُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا، فَقَالَ: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل: ١٠٢] يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: ١٩٣] يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: {وَأيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: ٨٧] يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: ١٧] يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: ٤] ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمَلَكَ الْمُعَظَّمَ الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: ٣٨] وَقَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمَرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>