٨٦٩ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْبَزَّازُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلَاوَتُهُ، وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ. ⦗٣٠٨⦘
٨٧٠ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ الْكِتَابِ الَّذِي أَمْلَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيمَا جَرَى بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَذَكَرَهَا وَذَكَرَ فِيهَا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] بِلَا كَيْفٍ، وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ" وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ مُذْهِبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ. وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَعَلَ فِي الْعَرْشِ فِعْلًا سَمَّاهُ اسْتِوَاءً، كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ فِعْلًا سَمَّاهُ رِزْقًا أَوْ نِعْمَةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَفْعَالِهِ. ثُمَّ لَمْ يُكَيِّفِ الِاسْتِوَاءَ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي، وَالتَّرَاخِي إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ، وَأَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى تُوجَدُ بِلَا مُبَاشَرَةٍ مِنْهُ إِيَّاهَا وَلَا حَرَكَةٍ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ: الِاعْتِلَاءُ، كَمَا يَقُولُ: اسْتَوَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَاسْتَوَيْتُ عَلَى السَّطْحِ. بِمَعْنَى عَلَوْتُهُ، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي، وَاسْتَوَى الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي، بِمَعْنَى عَلَا فِي الْجَوِّ، فَوُجِدَ فَوْقَ رَأَسِي. وَالْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ لَا قَاعِدٌ وَلَا قَائِمٌ وَلَا مُمَاسٌّ وَلَا مُبَايَنٌ عَنِ الْعَرْشِ، يُرِيدُ بِهِ: مُبَايَنَةَ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الِاعْتِزَالِ أَوِ التَّبَاعُدِ، لِأَنَّ الْمُمَاسَّةَ وَالْمُبَايَنَةَ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا، وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ مِنْ أَوْصَافِ الْأَجْسَامِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ ⦗٣٠٩⦘ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْأَجْسَامِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: اسْتَوَى بِمَعْنَى: عَلَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ عُلُوًّا بِالْمَسَافَةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ مُتَمَكِّنًا فِيهِ، وَلَكِنْ يُرِيدُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] أَيْ: مَنْ فَوْقَهَا عَلَى مَعْنَى نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْوِيهِ طَبَقٌ أَوْ يُحِيطُ بِهِ قُطْرٌ، وَوُصِفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَلِكَ بِطَرِيقَةِ الْخَبَرِ، فَلَا نَتَعَدَّى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ. قُلْتُ: وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَوى عَلَيْهِ، لَا بِالِاسْتِوَاءِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] يَعْنِي: ثُمَّ يَكُونُ عَمَلُهُمْ فَيَشْهَدُهُ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ حِكَايَةً، فَقَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَزَلْ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ حَدَثَتْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَلَا يُقَالُ: لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِأَنْ قَدْ حَدَثَتْ، وَلَمَّا حَدَثَتْ بَعْدُ، قَالَ: وَجَوَابِي هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ وَأَنَّهُ فَوْقَ الْأَشْيَاءَ بَائِنٌ مِنْهَا، بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحُلُّهُ وَلَا يَحُلُّهَا، وَلَا يَمَسُّهَا وَلَا يُشْبِهُهَا، وَلَيْسَتِ الْبَيْنُونَةُ بِالْعُزْلَةِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّنَا عَنِ الْحُلُولِ وَالْمُمَاسَّةِ عُلُوًّا كَبِيرًا. قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الِاسْتِوَاءَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَنْفِي الِاعْوِجَاجَ عَنْهُ، وَفِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ هُوَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّحْمَنَ غَلَبَ الْعَرْشَ وَقَهَرَهُ، وَفَائِدَتُهُ الْإِخْبَارُ عَنْ قَهْرِهِ مَمْلُوكَاتِهِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَقْهَرْهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَمْلُوكَاتِ، فَنَبَّهَ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، قَالَ: وَالِاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ، كَمَا يُقَالُ: اسْتَوَى فُلَانٌ عَلَى النَّاحِيَةِ إِذَا غَلَبَ أَهْلَهَا، وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ:
[البحر الرجز]
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
⦗٣١٠⦘ يُرِيدُ: أَنَّهُ غَلَبَ أَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ غَلَبَةٌ مَعَ تَوَقُّعِ ضَعْفٍ، قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: ١١] وَالِاسْتِوَاءُ إِلَى السَّمَاءِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إِلَى السَّمَاءِ اسْتِوَاءً جَازَ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِوَاءً.
٨٧١ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: ٢٩] قَالَ: الِاسْتِوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْتَوِيَ الرَّجُلُ وَيَنْتَهِي شَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ، أَوْ يَسْتَوِي مِنِ اعْوِجَاجٍ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ؛ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ تَقُولَ: كَانَ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيَّ يُشَاتِمُنِي وَإِلَيَّ سَوَاءٌ، عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «ثُمَّ اسْتَوَى صَعَدَ» وَهَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا، أَوْ كَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكُلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ. قُلْتُ: قَوْلُهُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ وَذَلِكَ هُوَ الْجَائِزُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَفْظُ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِهِ الْكَلْبِيُّ، وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ عِنْدَنَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute