٨٨٣ - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ الْبَزَّار، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُهِكَتِ الْأَنْفُسُ وَجَاعَ الْعِيَالُ وَهَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، اسْتَسْقِ لَنَا رَبَّكَ، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ وَبِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ ⦗٣١٨⦘ اللَّهِ» . فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجُوهِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ شَأْنَهُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، إِنَّهُ لَفَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ لَهَكَذَا ـ وَأَشَارَ وَهْبٌ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَأَشَارَ أَبُو الْأَزْهَرِ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ ـ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ. ⦗٣١٩⦘
٨٨٤ - كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، وَمُحَمَّد بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، قَالُوا: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ أَحْمَدُ: كَتَبْتُهُ مِنْ نُسْخَتِهِ، وَهَذَا لَفْظُهُ، فَذَكَرَ نَحْوَ إِسْنَادِ أَبِي الْأَزْهَرِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: جَهِدَتِ الْأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي. وَقَالَ فِي الْجَوَّابِ: " إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ: مِثْلُ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ ". قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى وَابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْحَدِيثُ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ: وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَكَانَ سَمَاعُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَابْنِ الْمُثَنَّى وَابْنِ بَشَّارٍ مِنْ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا بَلَغَنِي. قُلْتُ: إِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَجَمَاعَةٌ، فَالتَّشْبِيهُ بِالْقُبَّةِ إِنَّمَا وَقَعَ لِلْعَرْشِ، وَرِوَايَتُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: «أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ لَهَكَذَا ـ بِأَصَابِعِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ ـ عَلَيْهَا» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَارِسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَصَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ، إِنَّمَا اسْتَشْهَدَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمُحَمَّدِ بْنِ ⦗٣٢٠⦘ إِسْحَاقَ فِي أَحَادِيثَ مَعْدُودَةٍ، أَظُنُّهُنَّ خَمْسَةً قَدْ رَوَاهُنَّ غَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّوَاهِدِ ذِكْرًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْضَاهُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: يُكْتَبُ عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ـ يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوَهَا ـ فَإِذَا جَاءَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَرَدْنَا قَوْمًا هَكَذَا ـ يُرِيدُ أَقْوَى مِنْهُ ـ فَإِذَا كَانَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ في صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَتَدْلِيسِهِ أَسَامِيَهُمْ، فَإِذَا رَوَى عَنْ ثِقَةٍ وَبَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْهُمْ فَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَرَوْا به بَأْسًا، وَهُوَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْهُ وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ مِنْهُمَا، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ كَمَا تَرَى. وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ثَابِتًا، وَاشْتَغَلَ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ: " هَذَا الْكَلَامُ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْكَيْفِيَّةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ، فَعُقِلَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَا تَحْدِيدُهُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ، أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ جَلَّ جَلَالُهُ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِفْهَامُ السَّائِلِ مِنْ حَيْثُ يُدْرِكُهُ فَهْمُهُ، إِذَا كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا، لَا عَلِمَ لَهُ لِمَعَانِي مَا دَقَّ مِنَ الْكَلَامِ، وَمَا لَطُفَ مِنْهُ مِنْ دَرَكِ الْأَفْهَامِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذَفٌ وَإِضْمَارٌ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟» . فَمَعْنَاهُ: أَتَدْرِي مَا عَظَمَتُهُ وَجَلَالُهُ؟ وَقَوْلُهُ: «إِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ» . مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَيَعْجَزُ عَنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، حَتَّى يَئِطَّ بِهِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ أطيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِقُوَّةِ مَا فَوْقَهُ، وَلِعَجْزِهِ عَنِ احْتِمَالِهِ، فَقَرَّرَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّمْثِيلِ عِنْدَهُ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَارْتِفَاعِ عَرْشِهِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِعُلُوِّ الشَّأْنِ وَجَلَالَةِ الْقَدْرِ، وَفَخَامَةِ الذِّكْرِ، لَا يُجْعَلُ شَفِيعًا إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْقَدْرِ، وَأَسْفَلُ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَتَعَالَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ مُشَبَّهًا بِشَيْءٍ أَوْ مُكَيَّفًا بِصُورَةِ خَلْقٍ، أَوْ مُدْرَكًا بِحِسٍّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute