قال: صحبت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من مكة إلى المدينة، فأخبرت أن عثمان قد قتل، فرجعت حفصة فقالت: ارجعوا بي عن المدينة، فوالذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله:{وضرب الله / مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة} الآية [سورة النحل: (١١٢)]، ولم ترد حفصة [رضي الله عنها] أن الآية خصت المدينة بالذكر، [بل هذا مثل] ضربه الله لمن كان كذلك.
وكان أهل مكة لما كانوا كفارًا كذلك فأصابهم ما أصابهم، فلما قتل عثمان علمت حفصة أن سيصيب أهل المدينة من البلاء ما يناسب حالهم بعد ما كانوا فيه من الأمن والطمأنينة وإتيان رزقهم من كل مكان. فذكرت ذلك على سبيل التمثيل بالمدينة، لا على سبيل الحصر فيها. وأهل بغداد أصابهم ما أصابهم من السيف العام وعندهم قبور ألوف من أولياء الله زيادة على قبور الأربعة، فمل تغن عنهم من الله شيئًا.
وهؤلاء الذين يعتقدون أن القبور تنفعهم وتدفع البلاء عنهم قد اتخذوها أوثانًا من دون الله، وصاروا يظنون فيها ما يظنه أهل الأوثان في أوثانهم، فإنهم كانوا يرجونها ويخافونها ويظنون أنها تنفع وتضر. ولهذا قالوا لهود عليه السلام {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} فقال هود: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا -إلى قوله- إن ربي على صراط مستقيم} [سورة هود: (٥٤ - ٥٦)]، وقد قال تعالى في قصة الخليل: {وحاجه قومه