فإذا قيل: لا يجوز لأحد أن يتخذ الملائكة والنبيين أربابًا كما ذكر الله ذلك في القرآن، ولم يقل مسلم هذا معاداة لهم ولا منقصة ولا سبًّا. وكذلك إذا قيل إنهم عباد الله وإن المسيح وغيره عباد لله كان هذا توحيدًا وإيمانًا لم يكن ذلك تنقصًا ولا سبًّا ولا معاداة قال تعالى:{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق -إلى قوله- ولا يجدون لهم من دون لله وليًّا ولا نصيرًا} [سورة النساء: (١٧١ - ١٧٣)]، وقد ذكر أهل التفسير أن أهل نجران قالوا: يا محمد إنك تعيب صاحبنا فتقول إنه عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنه ليس بعار بعيسى أن يكون عبدًا لله) فنزل {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله} [سورة النساء: (١٧٢)]، أي لن يأنف ويتعظم عن ذلك. فمن جعل تحقيق التوحيد تنقصًا بالأنبياء أو سبًّا أو معاداة فهو من جنس هؤلاء النصارى. والنهي عن اتخاذ قبورهم مساجد والسفر إليها واتخاذها أوثانًا وعيدًا فهو من هذا الباب من باب تحقيق التوحيد.
وفي مثل هذا المقام يقال: إن كل ما يدعى من دون الله من الملائكة والأنبياء وغيرهم {لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض -إلى قوله- ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سورة سبأ: (٢٢ - ٢٣)]، فلا تنفع شفاعة ملك ولا نبي إلا بإذن الله كما قال:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [سورة البقرة: (٢٥٥)]، وقال:{وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا من بعد أن يأذن الله / لمن يشاء ويرضى} [سورة النجم: (٢٦)]، ولم يكن هذا القول ونحوه تنقصًا بالملائكة ولا سبًّا لهم ولا معاداة لهم بل الملائكة والأنبياء يعادون من أشرك بهم ويوالون أهل التوحيد الذين ينزلونهم منازلهم، وهم برآء ممن يغلون فيهم