فإن هذا التعليل يدل على جهله بسنته صلى الله عليه وسلم المتواترة التي أجمع المسلمون عليها وهو أن المسجد شرع دخوله للصلاة فيه وإن لم يكن هناك قبره كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، والرحال تشد إليه كما قال: / (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، وهذا متفق عليه بين المسلمين، والسفر لقبره لو كان مشروعًا لكان يسافر لهذا ولهذا ولهذا.
فالذي يقول إن السفر للقبر دون المسجد هو المشروع، فمن قال هذا فإنه لا يعرف دين الإسلام، فإن أصر على مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين تعيّن قتله، فكيف إذا كان المشروع هو السفر إلى مسجده وقد نهى عن السفر إلى غير المساجد الثلاثة كما قد ذكره السلف والأئمة. وهذا مبسوط في موضع آخر.
والمقصود هنا أن الزائر إنما يصل إلى مسجده ويشرع له الصلاة في مسجده بالاتفاق، والصلاة والسلام عليه والثناء وتعزيره وتوقيره وذكر ما منّ الله عليه به ومنّ على الناس به. فأما الوصول إلى قبره أو الدخول إلى حجرته فهذا غير ممكن ولا مقدور، ولا هو من المشروع المأمور، بخلاف سائر القبور. وإذا كان المراد بزيارة قبره والسفر إليه هو السفر إلى مسجده وفعل ما يشرع هناك، فالمجيب قد ذكر أن هذا مستحب بالنص والإجماع. وما حكاه عن المجيب يقتضي أنه حرم مثل هذا السفر، ويقتضي أن السفر إليه والسفر إلى قبر غيره سواء، وهذا غلط عظيم على شرع الرسول، وعلى المجيب وغيره.