يقال إنه يرد على هؤلاء ولا يرد على أحد من أهل المدينة المقيمين بها، فإن أولئك هم أفضل أمته وخواصها وهم الذين خاطبهم بهذا فيمتنع أن يكون المعنى: من سلم منكم يا أهل المدينة لم أرد عليه ما دمتم مقيمن بها. فإن المقام بها هو غالب أوقاتهم، وليس في الحديث تخصيص ولا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
يبين هذا أن الحجرة لما كانت مفتوحة وكانوا يدخلون على عائشة لبعض الأمور ويسلمون عليه إنما كان يرد عليهم إذا سلموا.
إن قيل إنه لم يكن يرد عليهم فهذا تعطيل للحديث.
وإن قيل كان يرد عليهم من هناك ولا يرد إذا سلموا من خارج فقد ظهر الفرق.
وإن قيل بل هو يرد على الجميع فحينئذ إن كان رده لا يقتضي استحباب هذا السلام بطل الاستدلال به.
وإن كان رده يقتضي الاستحباب وهو من سلم من خارج لزم أن يستحب لأهل المدينة السلام كلما دخلوا المسجد وخرجوا، وهو خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وخلاف قول المفرقين.
ومن أهل المدينة من قد لا يسافر منها أو لا يسافر إلا للحج، والقادم قد يقيم بالمدينة العشر والشهر، فهذا يرد عليه في اليوم والليلة عشر مرات وأكثر كلما دخل وكلما خرج، وذاك المدني المقيم لا يرد عليه قط أو لا يرد عليه في عمره إلا مرة.