الوجه الثامن: أنه لو كان في هذا الباب حديث صحيح لم يخف على الصحابة والتابعين بالمدينة، ولو كان ذلك معروفًا عندهم لم يكره أهل العلم بالمدينة -مالك وغيره- أن يقول القائل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما كرهوا هذا القول دل على أنه ليس عندهم فيه أثر، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة.
الوجه التاسع: أن الذين كرهوا / هذا القول والذين لم يكرهوه من العلماء متفقون على أن السفر إلى زيارة قبره صلى الله عليه وسلم إنما هو سفر إلى مسجده، ولو لم يقصد إلا السفر إلى القبر لم يمكنه أن يسافر إلا إلى المسجد، لكن قد يختلف الحكم بنيته كما تقدم.
وأما زيارة قبره كما هو معروف في زيارة القبور فهذا ممتنع غير مقدور ولا مشروع، وبهذا يظهر أن قول الذين كرهوا أن يسمى هذا زيارة لقبره صلى الله عليه وسلم وهم أولى بالصواب، فإن هذا ليس زيارة لقبره، ولا فيه ما يختص بالقبر، بل كل ما يفعل فإنما هو عبادة تفعل في المساجد كلها وفي غير المساجد أيضًا، ومعلوم أن زيارة القبر لها اختصاص بالقبر، ولما كانت زيارة قبره المشروعة إنما هي سفر إلى مسجده وعبادة في مسجده ليس فيها ما يختص بالقبر كان قول من كره أن يسمى هذا زيارة لقبره أولى بالشرع والعقل واللغة، ولم يبق إلا السفر إلى مسجده، وهذا مشروع بالنص والإجماع، والذين قالوا تستحب زيارة قبره إنما أرادوا هذا. فليس بين العلماء خلاف في المعنى بل في التسمية والإطلاق.